موقع الأديب خضر محجز
إزالة الصورة من الطباعة

حالة حصار لمحمود درويش: قصيدة ضد الشعار

حالة حصار

قصيدة ضد الشعار

 

قول على قول: 

كلام قليل على كلام كثير، في قصيدة محمد درويش: "حالة حصار" القصيدة التي تهتف ضد الشعار.


يقول محمود درويش:


واقفون هنا. قاعدون هنا. دائمون هنا. خالدون هنا. ولنا هدف واحد واحد: أن نكون. ومن بعده نحن مختلفون على كل شيء:

على صورة العلم الوطني: ستحسن صنعاً لو اخترت يا شعبي الحيّ رمز الحمار البسيط.

ومختلفون على كلمات النشيد الجديد: ستحسن صنعاً لو اخترت أغنية عن زواج الحمام.

ومختلفون على واجبات النساء: ستحسن صنعا لو اخترت سيدة لرئاسة أجهزة الأمن.

مختلفون على النسبة المئوية، والعام والخاص، مختلفون على كل شيء. لنا هدف واحد: أن نكون؛ ومن بعده يجد الفرد متسعاً لاختيار الهدف.

 

التحليل:

 

الثيمة (Thema) مصطلح قادم من عالم الموسيقى، إلى عالم النقد الأدبي، والجامع هو التكرار. فالثيمة في النصوص الأدبية هي الفكرة المترددة باستمرار، فيما يشبه اللازمة في الموسيقى. وقد يعني أحياناً الفكرة الأساسية التي ترد في شكل صورة وسواسية، أو أطروحة دائمة التكرار. والمصطلح يستخدم في غالب الكتابات النقدية للإشارة إلى هاجس دائم التكرار يلح عليه النص، ويفضح انشغالات الكاتب الأساسية.


ولا ريب أن فهم ثيمة أي نص ضروري، كون الثيمة تمثل مفتاحاً أساسياً من مفاتيح فهم محتوى النص.


والثيمة الأساسية التي يتردد صداها بين سطور قصيدة "حالة حصار" هي البقاء، يرد فيها في معاني متعددة، تقول الآتي:


انتظار/انتظر: 14 مرة.

سوف: 6 مرات.

واقفون: 3 مرات.

نشهد/شاهد/ شهيد: 19 مرة.

نكون/ خالد/خلود: 4 مرات.

مختلفون: 5 مرات.

تعال غداَ/ لا تتركونا وحيدين/ وليد/ سيولد/ أولد: 5 مرات.  

حياة: 13 مرة.

الأمل: مرتان.

ننسى الألم: مرة واحدة.

أفعال الحضور: نلعب/ نقرأ/ نتصفح/ نتبادل/ نتبارى/ ننتبه/ متى ينتهي؟: 7 مرات.

 

يقول درويش:

 

"لنا هدفٌ واحدٌ: أن نكون، ومن بعده يَجِدُ الفردُ مُتّسَعاً لاختيارِ الهدف".

إذن فلا هدف قبل الكينونة. يقول درويش.


من هنا يبدأ التحليل، ولا ينتهي.


والمقطع الصغير الذي أشهرناه من القصدية يطرح الأسئلةٌ، يشهرها درويش باسم شعبه، الذي يريد أن يقول شاعره الوطني: لي شعب يبحث عن حقه في الحياة البسيطة العادية، على العكس تماماً من دعايات سياسيين مطعونة وطنيتهم، يلوكون الكلام عن شعب جبار له أهداف عظمى، يرونها أسمى من البقاء، إذ هي فناء باسم اللاشيء.

إن درويش هنا لا يسخر من أحد، بل يقرر حقيقة ما يشعره الفلسطيني العادي ـ أنا وأنت وزوجتي البسيطة وطفلي في المدرسة ـ الفلسطيني الذي يرى أن أهم ما عليه أن يحققه، هو البقاء هنا، والتحرر هنا. ومن دون ذلك لا يهمه أن يكون جباراً، أو طائر فينيق ينبعث من رماده، أو جندي الخليفة الذي مهمته أن يستعيد الأندلس، أو يحقق أحلام الأيديولوجيين المتعددين، بدولة بمواصفات ناجزة لدى الآخرين (ديموقراطية علمانية، أو إسلامية عالمية، أو اشتراكية بروليتارية.. إلخ).


درويش يقول:


هدفنا أن نحيا هنا أحراراً، ثم بعد ذلك لا أيديولوجيا ولا شعار، سوى أن نكون هنا. نحن هنا ولا تقل لي: سنقيم دولة الإسلام العالمية، أو دولة الاشتراكية العالمية، أو الدولة الديموقراطية العلمانية، لا تقل لي: سنحقق الشكل الفلاني للنظام، فقد يرأس أجهزة الأمن عندي سيدة، في إشارة إلى أن لا صورة مسبقة لشكل الدولة، عند الفلسطيني العادي الذي يريد العيش والحرية.


هو سؤال يشهره محمود درويش في وجوهنا، نحن الذين نريد من الطفل الفلسطيني وحده أن يموت، لكي يهب الشهيدُ الحياةَ للشعار، بدل أن يهب دمُهُ الحياةَ للطفل والشعب.


إنها قصيدة ضد الشعار. إنها قصيدة تنحاز إلى الإنسان، ضد الشعارات الكبرى.