مقالة مجهولة المؤلف


  

خضر محجز يبحث 


البنية الثقافية في كتابات إميل حبيبي




 

الوطن القطرية. 03/02/2007 



 

صدر عن دار قدمس (دمشق ــ بيروت) كتاب الدكتور خضر محجز بعنوان: «إميل حبيبي، الوهم والحقيقة: دراسة في النقد الثقافي». والكتاب يتكون من 442 صفحة من القطع المتوسط. وأهداها إلى روح الشاعر راشد حسين.


الكتاب في الأصل عبارة عن رسالة دكتوراه، في النقد الأدبي، والثقافي منه على وجه الخصوص، قدمها الروائي الباحث خضر محجز لـمعهد البحوث والدراسات العربية، بعنوان: «البنية الثقافية في كتابات إميل حبيبي»، بإشراف الأستاذ الدكتور: صلاح فضل. وقد تمت مناقشة الرسالة في جلسة علنية، بمقر المعهد بالقاهرة، في السادس من يونيو لعام 2006، بمشاركة هيئة المناقشة المكونة من: الأستاذ الدكتور صلاح فضل رئيسـًا، وعضوية كل من الأستاذ الدكتور محمد عبد المطلب، والأستاذ الدكتور يوسف نوفل. وقد نالت الرسالة في حينه درجة الامتياز مع مرتبة الشرف الأولى. كما أوصت اللجنة، في قرارها، بطباعة الرسالة وتعميمها للتداول في كافة الجامعات العربية.


يتكون الكتاب من سبعة أقسام هي على التوالي:


1ـ المقدمة وخطة البحث.

2ـ إطار الفكر الثقافي عند إميل حبيبي.

3ـ تحليل الإنتاج الفكري.

4ـ الإنتاج الإبداعي من منظور ثقافي.

5ـ التلقي النقدي.

6ـ نتائج البحث.

7ـ الملاحق.


«لماذا إميل حبيبي بالذات؟ ـ هكذا يبدأ الباحث كتابه، ثم يجيب ـ ألأن حبيبي كاتب فلسطيني، ومن الطبيعي أن يختار الباحث الفلسطيني كاتبـًا من وطنه؟. لا أعتقد أن السبب هو هذا... إذن فهل كان سبب هذا الخيار الجديد، ما أثاره إميل حبيبي، من زوبعة، عندما تسلم جائزة الإبداع الإسرائيلية، من يد رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق شامير، في عز الانتفاضة الأولى؟. ربما يمكن القول بأن تلك الحادثة لم تكن إلا الإرهاصات الأولى، لبداية الانشغال بما وراء نص إميل حبيبي الإبداعي»


ثم يقرر الباحث أن هذه الإرهاصات لم تدفعه إلى دراسة ما وراء نص إميل حبيبي، من علاقات خارجية في حينه، بسبب افتتانه بجماليات روايته المتشائل، وانحيازه لها. إلى أن جاء عام1995 وما حمل معه من «قدوم السلطة الوطنية، إلى ما أتيح لها من فلسطين، حيث بدأ إميل حبيبي يكثر من زياراته لرئيس السلطة، المرحوم ياسر عرفات، واستخلص منه دعمـًا لمجلته، التي سوف يصدرها بعد ذلك بعنوان (مشارف)، ومحاوراته المتكاثرة والمستمرة، مع الفلسطينيين المشتغلين بالشأن الثقافي، حول ضرورة تطبيع العلاقات الثقافية، مع الكتّاب والأدباء الصهاينة. ورغم أن الموقف المعلن، لأغلب هؤلاء، كان هو رفض هذا المشروع الحبيبي الجديد ـ يواصل الدكتور خضر محجز ـ إلا أن عددًا منهم أحب هذه الدعوة، وتساوق معها، وتشيع لصاحبها، الأمر الذي كان بداية انزياح المصطلح السياسي (الطرف الآخر) إلى الحقل الثقافي الفلسطيني، بما يحمله هذا المصطلح، من دلالات حولت الاحتلال إلى مجرد وجهة نظر، يمكن الحوار معها، والاجتماع بها، وإنشاء المشاريع الاقتصادية بمشاركتها، ريثما يتم التحرير، في وقت لاحق».


ثم بعد أن يجيب خضر محجز عن سؤال البحث، يلتفت إلى المنهج وآلية البحث، فيطوف بنا في مدارس النقد الأدبي المختلفة: منذ الشكلانيين الروس، مروراً بالمناهج التاريخية في قراءة النصوص، وصولاً إلى مناهج الحداثة، كالبنيوية والنصية والأسلوبية، ليحط رحاله في آخر المطاف في بلاد النظرية ما بعد الحداثية، ويختار منها النقد الثقافي بالتحديد.


وبعد هذا الاختيار، يحدد خضر محجز آليات بحثه الصارمة، مقرراً رفضه لاستبعاد البنيوية كمنهج جمالي في قراءة النصوص، معتبراً إياه يقدم أدوات قراءة علمية إلى حد كبير. لكنه مع ذلك يرفض الاقتصار على أدوات التحليل البنيوي، لما تقرره من رفض كل من المؤلف والتاريخ والمعنى، الأمر الذي يدفعه إلى تبني منهج هو مزيج من مدارس الحداثة ومدارس ما بعد الحداثة، فيما يسميه خضر محجز: نقد ثقافي غير متنكر لأدوات البحث الجمالي.


وهكذا نكتشف ـ منذ الوهلة الأولى ـ أن هذا الكتاب يتعامل مع مسألة حساسة للغاية في الساحة الفلسطينية، لا منذ المقدمة فحسب، بل على طول أقسام الكتاب:


فهو يتناول في القسم الثاني تاريخ إميل حبيبي السياسي، بدءاً من انخراطه في الحزب الشيوعي الفلسطيني، مروراً بانشقاقه عنه وتكوين عصبة التحرر، ثم العودة إلى أحضانه بعد أن صار الحزب الشيوعي الإسرائيلي، قبل أن ينشق عنه مرة أخرى مع كبار الرفاق اليهود عام1965، لإنشاء راكاح، وصولاً إلى الخروج النهائي منه بعد ذلك..


أما في القسم الثالث فيتوجه الكتاب إلى بحث مجمل الإنتاج الفكري لإميل حبيبي، باعتبار الفكر الرافد الأهم من روافد التفكير الإبداعي، والأداة النصوصية الكاشفة لعلاقات النص النفسية والتاريخية والاجتماعية.


أما في القسم الرابع فيلتفت الباحث إلى النقد الأدبي، ليبدأ في تحليل الأعمال الإبداعية، من منظور قراءات ما بعد الحداثة، التي تعيد الاعتبار إلى المعنى مرة أخرى، بعد انحسار مفاهيم الحداثة، التي طالما غيبت المعنى والمؤلف وعلاقات الإنتاج: حيث يعيد د. محجز الاعتبار إلى كل ذلك، في بحث جمالي قيّم لا يتنكر للمدارس الجمالية، رغم انتمائه إلى نظرية نقدية أوسع.


أما في القسم الخامس، فيناقش المؤلف عدداً ممن كتبوا عن إميل: فيعارض بعضهم، ويوافق الآخرين، لكنه في كل ذلك لا يجافي الأدلة والوقائع، ومقتضيات بحث علمي نال هذه الدرجة العالية، وذلك المديح المميز. إذن فالكتاب يبحث بالفعل في كل جوانب شخصية إميل حبيبي ومواقفه السياسية، محاولاً الوصول إلى إجابة عن بعض الأسئلة المهمة المرتبطة به وبمؤلفاته الأدبية، وعلى نحو خاص، ثلاثية المتشائل، وسبب تأثيرها الإيجابي في الساحة الأدبية العربية، مع ما تحمله من رسائل خطيرة إلى المتلقي. ولعل التساؤل الأساس الذي قام عليه البحث هو ما صاغه د.خضر محجز على هذه الصورة: «لماذا أحببنا المتشائل بعد كل ما علمناه عنه؟. لقد قرأنا الرواية وتعاطفنا مع البطل المهشم ومنحنا لإميل حبيبي جوائزنا وإعجابنا. فلماذا الآن نقول فيه ما نقول؟». ثم أجاب عنه: «بأننا أحببنا الصنعة. ولكننا لم نحب المصنوع. وعندما التبس الأمر على الصانع، وتماهي في المصنوع، كرهناه. لقد أحببنا الجمال في لوحة ترسم كيف يسيطر القبح على أرواح بعض الناس، ويحولهم إلى أعداء لأنفسهم، ولم نحب أبدًا هؤلاء البعض، ولم نتمن أن نكون مثلهم، مهما تقلبت بنا الأيام». وقد أرجع الباحث سبب ذلك إلى فعل النسق المتجذر في تاريخ التلقي العربي للأدب. «ذلك النسق الذي ظل محكومـًا بالنزعة الجمالية، التي صرفته عن قراءة الأدب، باعتباره درسـًا إنسانيـًا عظيمـًا. وألهته من ثم عن فضح تأثيراته السلبية، على مجمل الوعي العربي، حيث تكرس الفصل المبكر، بين المحتوى الفلسفي الأخلاقي للشعر والأدب، والبلاغة اللغوية، التي سُمح لها بأن تقول ما تشاء، ما دام قولها محروسـًا بالجمال التصويري، حتى ولو خالف كل قواعد المنطق والأخلاق!..»


في القسم السادس، المكرس لنتائج البحث، يحاول د. خضر محجز اكتشاف الأنساق الكلية التي حكمت إبداع إميل حبيبي، من وجهة نظر ثقافية بالآتية، ويجملها في الآتي: «نسق الحكمة الكلية ـ نسق التأثير، لا نسق الإقناع ـ نسق استخدام التراث كخيار أسلوبي فحسب ـ النسق الشرقي في تناول قضايا المرأة ـ نسق التهوين المستمر من أمر العمالة للعدو».


أما في القسم السابع والأخير، فنجد عدداً من الملاحق الهامة، والوثائق النادرة، التي استطاع خضر محجز الحصول عليها، من مثل مقالة راشد حسين «حين يجوع التاريخ»، وبيان عصبة التحرر الذي أصدرته عام1948، بعيد النكبة، وأنشأت فيه نقداً ذاتياً قاسياً لتجربتها القومية في حرب عام1948، وقررت فيه تراجعها عن كل ما قامت به من منطلق قومي، تمهيداً لفتح أبواب الحزب الشيوعي الإسرائيلي لها للعودة إلى أحضانه. كما نجد بعض مقالات إميل حبيبي في التهجم على القيادة الوطنية الفلسطينية إبان حرب 1948، والجيوش العربية التي دخلت فلسطين.. ووثائق أخرى..


على كل، لا يمكن الاستغناء بهذا العرض عن قراءة الكتاب، الذي اعتبر كثير من الأكاديميين المصريين بأن مثله لا يمر على الجامعات إلا مرة كل عشر سنوات.