نعمة خالد




إميل حبيبي: الوهم والحقيقة


 

الجزيرة نت. 30/11/2007


نعمة خالد من دمشق:


 يبدأ الكاتب خضر محجز كتابه بالسؤال: لماذا إميل حبيبي؟ وفي معرض الإجابة يقول: إن السبب في تناوله لأدب إميل حبيبي، هو الزوبعة التي أثارها الكاتب عندما تسلم جائزة الإبداع الإسرائيلية، في عز الانتفاضة الأولى، وهذه الحادثة هي التي شكلت عند خضر محجز الإرهاصات الأولى لبداية الانشغال بما وراء نص إميل حبيبي.


والكاتب يستفيض في البنية الثقافية لإميل حبيبي، ويدخل في مجموعة مقولات نظرية تتعلق بمفهوم البنية، ويرى الكاتب أن البنية هي أمر متعلق بطريقة ترتيب المكونات في البناء، أي أنها العنصر الجوهري الناظم للشكل.


ثم يدخل في تعريفات متعددة للثقافة، ليصل إلى أن كل تعريف للثقافة سوف يحيل إلى الكيفية التي يضفي بها الأفراد معاني معينة، على المواقف والأحداث والموضوعات والعلاقات، وأن النظرية الثقافية، ينصب اهتمامها، بالدرجة الأولى على استكشاف مختلف الشاشات الإدراكية، التي يقوم الناس من خلالها بتفسير عالمهم، أو فهمه. كل ذلك إلى جانب فهم العلاقات الاجتماعية التي تجعل رؤى معينة للواقع، تبدو أكثر مصداقية من غيرها.


ويرى الكاتب أن ثمة ارتباطاً وثيقاً بين الثقافة والهوية المجتمعية، التي تطورت خلال أحقاب بعيدة، وحمل اللاشعور الجمعي آثارها، في نفس كل فرد من أفراد الجماعة، ومن البديهي أنها تؤثر في كل أفعالنا وتصوراتنا، حتى دون استدعائها، إنها ناتج ومنتج في آن: ناتج تاريخ، ومنتج أنساق سلوكية وذهنية.


ثم ينتقل الكاتب للتوقف عند البنية الثقافية والتاريخية، ويرى أن البنية الثقافية لكاتب ما هي الا شبكة العلاقات المتولدة من عناصر الثقافة المختلفة في كتاباته بالإضافة إلى علاقة كل عنصر ثقافي برؤى الكاتب المؤثرة، لا الواعية منها فحسب، بل اللاواعية بنوعيها الفردي والجمعي.


ويقطع خضر محجز الشك من اليقين بأن عناصر الثقافة المختلفة لدى أي كاتب، بل لدى أي فرد، تدخل فيها الأيديولوجيا، والدين، والعادات، والأعراف الاجتماعية والانتماء السياسي، والطبقة الاجتماعية، والعوامل النفسية، والظروف السياسية.


وإذا كانت كل هذه العناصر الثقافية تتسم بسمة التاريخية الدنيوية، فإن ذلك يعني أن البنية الثقافية في كتابات أي كاتب، هي ذات صبغة تاريخية كذلك، الأمر الذي يحتم انفتاح النص أمام كل هذه المؤثرات، باعتبارها جزءاً من النص، لا مجرد خلفية اجتماعية، أو قاعدة تحتية لبنية فوقية أرقى.


ثم يتوسل الكاتب خضر محجز في قراءته لنصوص إميل حبيبي منهج النقد الثقافي، ويبرر ذلك بقوله: إلى أن النقد الثقافي يسعى للتعامل مع النصوص الأدبية، من خلال إعادة وضعها داخل سياقها السياسي والاجتماعي، الذي أنتجها. وذلك على اعتبار النص علامة ثقافية، بالدرجة الأولى، قبل أن يكون قيمة جمالية. وهذه العلامة الثقافية لا تتحقق دلالتها إلا من خلال سياقي الإنتاج والتلقي: سياق المؤلف؛ ثم سياق القارئ، أو الناقد الذي تلقاها بعد ذلك في سعيه نحو التفسير.


وحتى يصل الكاتب خضر محجز إلى ما يريد من قراءة أدب وفكر إميل حبيبي، في إطار النقد الثقافي، فإنه يخوض تفصيلياً في تجربة إميل حبيبي السياسية، سواء أكان ذلك في تجربته في الحزب الشيوعي أو في علاقته مع السلطة الفلسطينية، في محاولة لوضع ثوابت أيديولوجية لإميل حبيبي تمكنه من تفسير نصوص إميل بما يتواشج مع مكونات إميل الثقافية والسياسية والاجتماعية.


ومن هذا المنظور يدخل محجز إلى تحليل الإنتاج الفكري لإميل. ويرى أن إميل حبيبي قد تخلق أيديولوجياً وفق وعي زائف، يفضل الحزب على الوطن، وبين محجز الظروف التي اكتنفت التخلق الجديد لحبيبي، والذي لم يكن بعيداً عن نزعة السلطة وعلاقات القوة: حيث واظبت الأنا على محاولات تحققها، إلى أن اكتشفت سحر الشعار الأيديولوجي وسلطته، فالتقطته وتقنعت به طويلاً.


ثم يدخل محجز في قراءته النقدية لأهم إبداعات إميل حبيبي: المتشائل، اخطية، سرايا بنت الغول.


يقدم محجز ملخصاً لكل عمل ثم وعبر الربط بالجانب السيري للكاتب، يبدأ محجز إعادة القراءة للمتشائل، ويرى الكاتب أن الخطاب الجمالي الظاهر في كتابة إميل، يؤدي رسالة تخديرية، تحدث لدى المتلقي نشوة تغيب الوعي في فعل أقل ما يقال بأنه سيرورة هيمنة تحسن استخدام أدواتها، الأمر الذي يعطي مقولات النقد الثقافي في ضرورة مراجعة مفاهيم النشوة، والتي كثيراً ما تعني التماهي المطلق في اللحظة الراهنة، والنسيان الكلي للماضي والمستقبل.


وحتى يبرر محجز قراءته التي تسفر عن اتهام واضح لكتابات إميل حبيبي المخدرة على حد وصفه، فإنه يستجدي بعض ما كتبت الصحف الإسرائيلية عن رواياته، وحتى يربط ما بين مفهوم ثقافي تبناه، وما بيم الأدب الذي كتب حبيبي، فإن محجز يقتطع النص من سياقه، في محاولة للي عنق النص ليخدم قراءته النقدية، هذا النص الذي إذا ما استكمل فإن مدلولاته الثقافية والسياسية ستكون عس ما أراد الكاتب منها.


وعى مدى صفحات قاربت الأربعمئة، لا نجد للكاتب اجتهاداً أو تحليلاً، بل إن جل الكتاب قد ذهب إلى رصد الحياة السياسية لإميل حبيبي، من زمن ما قبل النكبة، حتى ما بعد دخول السلطة، أي ما بعد أوسلو.


وفي التوقف أمام التحليل الثقافي لإبداع إميل حبيبي، فإن الكاتب يخلص إلى أن خطاب المؤلف الضمني يلجأ مضمر الخطاب إلى التهوين من أمر العمالة للعدو، وقد أشار محجز إلى هذا المحتوى الثقافي الخاص عند رواية المتشائل، ويرى محجز أن المؤلف الضمني عند إميل حبيبي قد واصل مسعاه في كل النصوص، فهو لا يمل ولا ييأس من الدعوة إلى اقتفاء أثره في التعاطف مع المتعاملين مع العدو، بل مع مبدأ العمالة ذاته.


ولا أعرف ما هي تلك الإمكانات التي قيضت لمحجز التفسير الضمني هذا للنصوص التي شكل أحدها على الأقل إجماعاً نقدياً متنوع المشارب للنظريات التي توسلها هذا النقد والذي رأى في رواية المتشائل علامة من علامات الأدب العربي.


هل أراد محجز من خلال كتابه أن يثير زوبعة وضجة كما تلك التي أثارها إميل إبان تسلمه لجائزة الإبداع الإسرائيلية، ثم لماذا يلوي عنق شهادات وقراءات لنفاد بما يخدم ما أراد من وهم إميل حبيبي؟ هل يكفي هنا أن أشير إلى ما كتبه إلياس خوري، وقد ضمن الكاتب كتابه ذلك، وحلل خطاب إلياس بما يخدم مقولته.


لست هنا في معرض الدفاع عن إميل حبيبي، الإنسان، وقد كان لي موقف من تسلمه لتلك الجائزة، لكن ما أردته هو أن يتم الوقوف أمام منتج إميل كإبداع، وهو بحق إبداع فني، ذو جماليات عالية، وأعتقد أن محجز يعرف أن لكل نص قراءات متعددة، ولكل فرد كما أشاء مكوناته الثقافية التي من شأنها أن تقرأ النص بطريقة مغايرة، لكن ما أستغربه، هو لجوء محرز إلى التأكيد الذي لا يمكن أن يكون في اللغة النقدية، درءاً للمصادرة.