• تاريخ
  • 2470 قراءة
  • 05:55 - 24 أبريل, 2017

حول اللغط الذي قيل عن أن بني إسرائيل لم يكونوا هنا

 

كثيرون يستندون إلى عدم وجود آثر لشيء ما، لإنكار وجوده في الماضي.

والحقيقة أننا لن نعرف كل الماضي، من علم الآثار.

إن علم الآثار يقدم لنا أدلة على وجود شيء ما ـ حضارة أو حدث ـ ولكنه لا يستطيع أن يزودنا بنفي كل ما لم تُكتشف له بقية في باطن الأرض. فمن قال أن باطن الأرض يعرف كل شيء؟ ثم من قال بأننا عرفنا كل ما في باطن الأرض؟ ثم من قال بأن باطن الأرض ظل دوماً محايداً لا يغيره البشر؟

ها نحن إذن نثبت الآن منطقياً، بأن هذا اللون من التفكير خاطئ: لأن الآثار قد تدلنا حقاً على أن ثمة شيئاً كان هنا في الماضي. ولكن العكس ليس صحيحاً دائماً؛ فعدم وجود آثار شيء ما، لا يستطيع أن ينفي أنه كان موجوداً في الماضي.

وصحيح كذلك أننا لو وجدنا آثاراً لقوم ما في مكان ما، لكان هذا دليلاً على أنهم وُجدوا يوماً فيه، ولكن هذا الأثر عينه لا يستطيع أن ينفي احتمال انتقالهم إلى مكان آخر.

إن الدليل يثبت الوجود، ولا يثبت العكس.

ولتوضيح الصورة أكثر نضرب المثال:

فلو أن رجلاً رأى بعرة في الطريق، لاستنتج ـ بحق ـ أن بعيراً مر من هذا الطريق، قبل وقت من الزمن. لكن لو لم يجد بعرة في الطريق، لما كان مستطيعاً أن يجزم بأن بعيراً لم يمر من هنا قط: فربما مر من هنا ثم لم يبعر، أو أبعر والتقط أحدٌ بعرته، أو سفّت الريحُ على البعرة بعضاً من الرمل، أو تحللت البعرة بفعل عوامل التعرية، أو أكلها حيوان يعيش على البعر... إلخ.

أقول هذا بعد نقاش جرى، بيني وبين بعض من يستشهدون بعدم وجود آثار لبني إسرائيل هنا، على أن بني إسرائيل لم يكونوا هنا. كأن الله خلق آدم فلسطينيا!.

لقد استغربت بالفعل ممن يستنتجون نتائج، يرونها حقيقية، من مجرد هذا النوع من الغياب. ورغم أنهم ليسوا علماء فيلولوجيا (الفيلولوجيا حقل بحث ظني في فقه اللغة الحديث) إلا أنهم يفترضون في أنفسهم أنهم فيلولوجيون، ثم يجعلون من فيلولوجييتهم المفترضة هذه مصدراً للحقيقة، فيلوون أعناق الكلمات ليستخرجوا منها احتمالات معاني، تصدر عن اشتقاقات متوهمة، لا يقوم عليها دليل، اللهم إلا إن كان الشعور القومي دليلاً.

أرجو أن أكون قد أوضحت رأيي فيما قيل عن «نزول التوراة في جزيرة العرب» أو «التاريخ الحقيقي للتوراة»؛ خصوصاً وأننا لو وافقنا على قولهم، لكان مقتضى ذلك تحويل أطماع الصهيونية نحو بلد عربي آخر!

دع عنك ما يحاولونه من نفي صريح القرآن «ويا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم»، باعتباره لا يتوافق مع غياب الآثار.

ولا أعلم أرضاً مقدسة كلها سوى فلسطين، فجزيرة العرب ليس مقدساً فيها سوى مكة والمدينة. و(بحوثهم) تتكلم عن مناطق ليس منها أي من البلدين الحرام.

فيا للعواطف القومية!