في مثل هذا اليوم

 

في مثل هذا اليوم، قبل سبعة وستين عاماً، قدر الله أن يولد فتى يقال له خضر.

كان أبوه يحب أولياء الله. وكان الخضر من أقربهم إلى قلبه.

فسمى وليده باسمه، ودعا ربه في الليل أن يكون على دربه. وحمله إلى المقام في دير البلح، ودعا هناك الله أن يقبل خضر.

وفي أعوامه الأولى أرسله إلى جمعية تحفيظ القرآن، عند الشيخ الشبراوي..

نشأ خضر يحب القرآن..

فكان عطية كل ليلة ـ بعد أن يعود من عمله بالطورية ـ يضيء له مصباحاً من عينيه، ويعزف له موسيقى من قلبه، ويأمره بالتلاوة..

فيتلو خضر، وتبكي عينا عطية، وتتسمع الجارات من وراء الجدران، فيشعرن أن ملائكة تنزل من السماء، فتضيء جوانب المخيم. ثم يصبح الصباح على المخيم أقل شقاء.

يتقلد خضر حقيبته المصنوعة من خرق التموين، ويغدو إلى المدرسة، ليشرب حليب الكويكرز تحت تهديد خيزرانة الأستاذ. ثم يعود بعد انتهاء الدوام المدرسي، ليكمل مشواره مع الشيخ الشبراوي.

ثم يأتي مساء جديد، لا يستطيع خضر فيه أن يدخل البيت المظلم، الذي غابت عنه الأم.

فيلملم إخوانه الأصغر أمام البيت في الشارع، حتى يعود الأب من عمل الطورية، وفي يده ورقة الفلافل. فيأكل الجميع مما قسم الله، ثم يضيئون المصباح،

ويتلو خضر..

ويبدو المساء أكثر بهاءً..

وتستريح حليمة في قبرها وهي تسمع وترى..

في مثل هذا اليوم

قبل سبعة وستين عاماً ولد خضر في مخيم الشوا

في خيمة جرس

بالقرب مما سيصبح فيما بعد "جمعية الشبان المسيحية"..

وقبل مرور عامين انتقل مع عطية وحليمة إلى مسكن حقير، في مخيم جباليا، بالقرب من بركة أبو راشد، قبل أن تصعد روح حليمة إلى الله، وتخلف وراءها عطية وأبناءه إلى رحلة الغيب في رعاية الله.

في مثل هذا اليوم

أحب خضر الله الذي ملأ كيانه بالنور. فكان يرى النور وسط الظلمات في كل ما يقابله.

وأحب رسول الله، فكان يرى جماله في كل ما يحيط به من الموجودات.

وأحب أولياء الله، فكان يراهم في الناس الطيبين من حوله.

وأحب جيرانه الطيبين، فكان يراهم كلهم أولياء لله.

وأحب فلسطين التي كان يرسمها له عطية في قلبه، فكان ينتظرها بشوق، ويراها في خياله، كما رسمها له عطية.

اليوم يرجو خضر لقاء الله. وقد اشتد شوقه إليه. فسبعة وستون عاماً من الحب تكفي..

وسبعة وستون عماً من الحب تجهد القلب.

فحبب اللهم لقاءك إلى عبدك خضر، واجعل يوم لقائه إياك أسعد الأيام.

كل عام وأنتم بهيون يا أصدقائي، وأشكركم جميعكم على هذا الحب، وأرجو أن أراكم هناك، حيث الشوق يجمع الأحباب.