القرآن والتفاسير "العلمية"

 

كثرت التأويلات التي ترى في القرآن كتاب علوم طبيعية وطب وفلك وتاريخ، وما شابه. وكثر بسببها المرجفون، الذين حين وجدوا في هذه التأويلات ضعفاً علمياً، رأوه تناقضاُ في كلام الله فأعجبهم هذا وأحزن المؤمنين.

وربما لاحظ المتابعون أنني لم أتعرض لهذا النوع من التأويل، فيعجبون.. فها أنا ذا الآن أفصح عن أسبابي:

1: لأن القرآن لم ينزل كتاب فيزياء أو طب أو تاريخ، بل كتاب هدى يقود الناس إلى السعادة، فإن عرض شيئاً من هذا الذي يقولون إنه علم، فعلى سبيل استخدامه وسيلة لهداية الناس فحسب.

2: ومن هنا فليس قرآنياً ـ في نظري ـ الأسلوب الذي يلهث وراء العلوم، ليقتنص منها ما يثبت به مصداقية التنزيل العزيز.

3: فلسوف تبقى علوم لم يتطرق إليها القرآن، وسوف يبقى مرجفون يطلبون تفسيراً من كتاب، قال بعض مفسريه إن فيه كل شيء، ثم انتظروا حتى اكتشف الكافرون الأشياء، فأكشفوا القرآن إياها.

4: ولأن العلوم قسمان: بعضها ثابت، وأغلبها ظني. والمرجفون يطلبون من المؤمنين أن يثبتوا ظنيَّ العلم بقطعي القرآن.

5: ولأن القرآن لم ينزل لهذا.

6: ولأن صناعة الإيمان في قلوب الكافرين غير ممكنة، وإنما علينا أن ننبش في دواخل الكافرين، لعلنا نكتشف في بعضها من كتب الله له النجاة على أيدينا.

7: ـ أقول: "ننبش في قلوب الكافرين" أما المرتدون فلا أبحث لهم عن طريقة في التعامل غير ما تعامل بها القرآن والسنة والصدر الأول، إذ هم كتيبة الهجوم المتقدمة من جيش العدو. ومعلوم أن هداية الجيش إنما تتأتى بعد كسر هجومه، ثم بعد ذلك تأتي مرحلة هداية المتأخرين في صفوف الجيش المتأخرة.

8: والخلاصة أن لا بأس بالاستدلال ببعض العلم على صحة بعض ما في القرآن، انطلاقاً من قاعدة أن إثبات البعض يثبت الكل. ولكن دون اللهاث وراء محاولات التوفيق بين كلام الله ونظريات البشر.

9: ولو تأملنا بعض النماذج من التفاسير القديمة التي تعرضت للظواهر الفلكية، وربطتها بالقرآن، لرأينا ما يضحك الثكلى، من التفاسير لا من القرآن.

10: فهل نعرض كتاب الله لامتحان الثبوت عند علماء يقولون كلاماً بعضه حق وأكثره باطل؟

وأخيراً:

﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة/145)