عن فلسطين والرباط وخيانة الأرز الأمريكي


غزة في 3 يونيو 2022 


﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (المائدة/54)

من تزييف الوعي، ومن الانتحار الذاتي، القول بأن المعركة بيننا وبين بني إسرائيل حربٌ دينية، فليس مطلوبا من الفلسطينيين قتال اليهود، لأنهم قتلوا الأنبياء؛ فقد قتلوا الأنبياء ثم عاشوا بيننا مواطنين أصحاب حقوق وعليهم واجبات، ولم يطلبهم الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بثارات الأنبياء، ولم يطلبهم بها الشيخان ـ عليهما رضوان ربي ورحمه وبركاته ـ بل عقد معهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اتفاقاً للتعايش، سماه المؤرخون صحيفة المدينة. ولو لم ينكثوا بما تعهدوا من قبل، لما شنَّ عليهم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ حرباً؛ ولا أوصى بترحيلهم من جزيرة العرب قبل موته.

وإنما ابتدأ المعركة بيننا وبينهم في العصر الحديث، هم حين احتلوا أرضنا. ولو رحلوا عنها الآن، فسيحل بيننا وبينهم السلام.

فكلُّ من ينادي الآن بقتالهم للأخذ بثأر الأنبياء، إنما يخترع سبباً للقتال غير مشروع دينياً، ويروّج لليمين اليهودي روايته، عن شعب يدافع عن حرية اعتقاده، ضد قومْ يشنون عليه حرب إبادة دينية.

قلت هذا في واحد من منشوراتي، فسأل سائلٌ:

أليس لنا ـ نحن الفلسطينيين ـ حقُّ عند العرب أو المسلمين، ليقاتلوا معنا ضد بني إسرائيل؟ وهل ترى التطبيع العربي الاسرائيلي حلالاً مباحاً، فلا نعتب على أحدٍ. وهل ترى القدس والأقصى قضية الفلسطينيين وحدهم؟

فكأن السائل فهم من منشوري أنني اطالب قومي بالتعايش مع دولة اليهود التي أقيمت على انقاض بيتي في فلسطين.

لكنني قلت مستعيناً بمولاي لا إله إلا هو:

أولاً أنا مؤمن بأن فلسطين والقدس ملكٌ لكل مسلمٍ ـ عربياً كان أو أعجمياً ـ طالما كان يرى أنه مسلم مثلنا. وإن حقوق العرب والمسلمين في القدس، تشبه ـ مع تفاوت الأهمية ـ حقوقهم في مكة والمدينة.

أفرأيت ـ أيها السائل ـ إن احتل الكافرون من أهل الكتاب ـ أو الوثنيين من عبّاد البقر والحجر والشجر والكلاب الآسيوية ـ مكةَ أو المدينةَ، أنّهُ يحق لمهزوم عربي أو مسلم، أو أمير ذي مؤخرة أسمنها الأَرُزُّ الأمريكيُّ؛ أن يقول للسعوديين: «حرروا بلادكم»، ثم يُطَبّع هو علاقاته مع عابدي الكلاب والأوثان الذين يحتلون «مكة» و«المدينة»، ويدع السعوديين يهتمون لمصير «مَكّتِهم» و«مدينتهم»؟

إن هذا ذاته هو ما يقوله لنا خلق من الخلق، يقولون إنهم مسلمون، ولولا أن مؤخراتهم سمنت لما قالوا لنا ما قالوه. دع عنك فرحهم بزيارة إسرائيل، ومديحهم لـ«الشعب اليهودي» الذي لا يقولونه إلا نكاية فينا نحن المرابطين في القدس والأرض المباركة.

فدع هذا ولكن لا تنس ـ إن كنت عربياً أو مسلماً أن لنا ـ نحن الفلسطينيين المرابطين هنا ـ حقاً محقوقاً وواجباً مفروضاً في عنق كل عربي ومسلم؛ حقاً محقوقاً بأن يدعمنا كل عربي وكل مسلم لنواصل الرباط، ريثما يُعد حصانه وسيفه وترسه وجيشه ويهجم، لإتمام التحرير.

أبىٰ الله إلا أن يكون ذلك كذلك.

ليس فقط لأن القدس وفلسطين أُخذت من العرب والمسلمين ـ لا من الفلسطينيين الذين نزعت الجيوش العربية سلاحهم ـ بل لما لكلِّ مسلم من الحق في القدس وفلسطين، ولما أوجب اللهُ على كل مسلم أن ينصر أخاه المسلم، لاستعادة حقوقه الدنيوية، ورفع الظلم عنه.

وحتى لو رأى العربُ أنهم ليسوا مسلمين، ولا يرغبون من ثَمَّ في استعادة القدس، فلا يعفيهم هذا من واجبهم الأخلاقي في استعادة ما أُخذ منهم، وكانوا عليه أمناء فضيعوا أماناتهم.

إن دفاعك ـ فلسطينياً وعربياً ومسلماً ـ عن المقدسات، هو صدٌّ للعدوان، وليس إعلانا للحرب الدينية. ولو كانت الحرب دينية من وجهة نظرنا، لكان علينا أن نشنَّ الحرب على كل كافرٍ في العالم ليسلم.

ولكن هيهات أن يكون الأمر هكذا.

لم يكن للسادات من خيانة ـ حين تفاوض مع الإسرائيليين في «كامب ديفيد»، فاكتفى باستعادة أرص مصر، لولا أنه تنكّر لواجب مصر في استعادة ما ضيّعهُ جيشها من أرض فلسطين، التي كانت تحت ولايته قبل حرب 1967.

وما يُقال عن مصر والسادات و«كامب ديفيد»، يُقال عن الأردن والملك حسين واتفاقية «وادي عربة».

اللهم، أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ. فلا تنلهم شرف أن يكونوا لنا أهلاً. لا إله إلا أنت.