النبي الأُمّيُّ والمسيح الدَّجّال وأعظم شهيد

 

الجمعة الثاني من سبتمبر 2022

 

عن أنس بن مالك ـ خادم رسول الله ـ قال:

"ما مِن نَبِيٍّ إلَّا وقدْ أنْذَرَ أُمَّتَهُ الأعْوَرَ الكَذّابَ: ألا إنَّه أعْوَرُ، وإنَّ رَبَّكُمْ ليسَ بأَعْوَرَ، ومَكْتُوبٌ بيْنَ عَيْنَيْهِ «ك ف ر». (متفق عليه. واللفظ لمسلم).

الشرح:

هذا الحديث من معجزات أُمِّيَّة النبيّ، صلى الله عليه وسلم: إذ رفع اللهُ عزّ وجلّ أمام عيني نبيه ـ الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة ـ صورة الدجال، فرأى كلمة بين عينيه، لا يعرف كيف يقرؤها، فرسمها للصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كما رآها.

فكان ما وصل الصحابةَ من رسم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما رأى بين عيني الدجال، هذه الحروف الثلاثة: «ك ف ر». فنقلوها إلى من بعدهم، كما رأوا رسول الله يرسمها. فجاء بعض الرواة ممن نقل عن الصحابة، فنقل الحروف كما سمعها منهم: «ك ف ر». وجاء غيرهم فنقل معناها، فقال: «كافر».

والروايتان في الصحيحين، إلا أن رواية «ك ف ر» انفرد بها مسلم. والكلمة التي رآها رسول الله هي «ק פ ר» التي يلفظها اليهود «كوفير».

وتلكم هي التفاصيل، نسأل الله مولانا أن يغفر لنا ما نخطئ فيه منها:

1: أجمعت الديانات السماوية والوثنية، على أنْ سيخرج في آخر الزمان من يُصلح أمر الدنيا بالدين، ويقصم ظهور المخالفين. وكلُّ أهلِ دينٍ يرونه منهم.

2: فإن سألت: من أين جيء للوثنيين بهذا؟ قلتُ لك: لم يكونوا وثنيين في الأول، بل كانوا أهل دين سماوي، ثم حَرَّفوه، فلم يتبق لديهم منه إلا بقايا من علم لا ينفع.

3: وأما اليهود فيعلمون هذا من توراة موسى ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي ذكرته بصفة المسيح. وقالت: إنه من بني إسرائيل. فلما جاءهم عيسى بن مريم ـ نبيّاً منهم ـ فكذّبوه حتى ظنُّوا أنفسهم قتلوه؛ قالوا: لو كان هو المسيح الذي ذكرته التوراة، لما سُلّطنا عليه.

4: فتوصَّلوا من ذلك إلى نتيجة تقول؛ بأن المسيح لم يُبعث، فهم ينتظرون بعثته، وسيأتي في آخر الزمان. بل إنهم ليجعلونه راكباً حماراً.

5: ولأننا نعلم كذبهم واختلاط أقوالهم، فقد سَمَّيْنا المسيحَ الذي ينتظرونه، بالمسيح الدجال، لأنه سيخرج منهم رجلٌ أعورُ يمسح الأرض في أيام وجيزة، في آخر الزمان، يراه اليهود هو المسيح الحقيقي، الذي سيملأ الأرض عدلاً كما مُلِئتْ جَوْراً، فيتبعونه ويقضون به على كل الملل المخالفة لليهود، بما فيهم المسلمون والنصارى.

6: وأما النصارى فيؤمنون بما آمن به اليهود، لأنهم آمنوا بالتوراة التي غَيَّرها اليهود، فضمَّنوها كتابهم المقدس ـ على اعتبار أنها النبوءات الموسوية، التي تسبق عيسى بن مريم والإنجيل ـ لكنّهم يختلفون عن اليهود في جزئِيَّةِ ما يؤول إليه الدجال، فهو عندهم نصراني، بل هو عيسى الربُّ ذاته، الذي سينزل ليملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلئت جَوْراً، وسيقضي على الكافرين من كل الملل، باستثناء ملة التثليث.

7: ولقد أوحى الله إلى كل نَبِيٍّ أرسله بأن يحذّر قومه منه. فالأنبياء كلهم يعرفون الدجال. وهذا هو سبب إيمان الوثنيين به، إذ لم يتبق لديهم من دينهم السماوي، إلا ندرة من المعارف يتداولونها فيما بينهم شفهياً، ويؤمنون بها على أنها من وصايا النبي أو الإله. ومن له اطّلاع على البوذية والهندوسية والمجوسية يعلم ذلك.

8: فالأعور الدجال تسمية للمسيح الدجال، سُمّيَ المسيحُ بتسمية اليهود إيّاه.

9: فتَحَصَّلَ من هذا أن المسيح الدجال سيأتي حقاً. هو من يهود أصفهان الإيرانية. ولا يزال اليهود هناك كثرة كاثرة إلى الآن.

10: وهو أعور العين اليمنى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ. أَلَا إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ" (متفق عليه. واللفظ للبخاري).

11: ويأتي ومعه سبعون ألفاً من يهود أصفهان (صحيح مسلم) فيمسح الأرض، ويدخل البلاد، باستثناء مكة والمدينة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليسَ مِن بَلَدٍ إلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إلَّا مَكَّةَ والمَدِينَةَ: ليسَ له مِن نِقَابِهَا نَقْبٌ إلَّا عليه المَلَائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا. ثُمَّ تَرْجُفُ المَدِينَةُ بأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، فيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ ومُنَافِقٍ" (متفق عليه. واللفظ للبخاري).

12: ولا مفهوم للعدد في قوله صلى الله عليه وسلم: «ومعه سبعون ألفاً»، بل هو مجاز يُقصد به المبالغة، كأن تقول اليوم «معه الملايين». والعرب لم تعرف أكثر من الألف. فهو كما تقول لصاحبك: «نهيتك ألف مرة»، وتقصد: «كثيراً».

13: يعرض الدجال على الناس مخاريقه التي يفتن بها الناس، فيؤمنون به إلا قليلاً ممن عصمهم الله ففروا إلى رؤوس الجبال (صحيح مسلم).

14: فمن مخاريقه أن يَأْتي "علَى القَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فيُؤْمِنُونَ به وَيَسْتَجِيبُونَ له، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالأرْضَ فَتُنْبِتُ... ثُمَّ يَأْتي القَوْمَ، فَيَدْعُوهُمْ، فَيَرُدُّونَ عليه قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عنْهمْ، فيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ ليسَ بأَيْدِيهِمْ شَيءٌ مِن أَمْوَالِهِمْ. وَيَمُرُّ بالخَرِبَةِ، فيَقولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ" (متفق عليه. واللفظ للبخاري).

15: ومن مخاريقه أن معه ماءً وناراً. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأمَّا الَّذي يَرَى النَّاسُ أنَّها النَّارُ فَماءٌ بارِدٌ، وأَمَّا الَّذي يَرَى النَّاسُ أنَّه ماءٌ بارِدٌ فَنارٌ تُحْرِقُ، فمَن أدْرَكَ مِنكُم فَلْيَقَعْ في الَّذي يَرَى أنَّها نارٌ؛ فإنَّه عَذْبٌ بارِدٌ" (متفق عليه. واللفظ للبخاري).

16: فيخرج للدجال أعظم الناس شهادة يوم القيامة ـ الذي يقول فيه علماؤنا أنه سيدنا الخضر عليه السلام ـ فيقول له: "أشْهَدُ أنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذي حَدَّثَنَا عَنْكَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم حديثه. أنت المسيح الكذاب. (متفق عليه. واللفظ للبخاري)

17: فينشر الدجّالُ الخضر بالمِئْشارِ، مِن مَفْرِقِهِ حتَّى يُفَرَّقَ بيْنَ رِجْلَيْهِ. ثُمَّ يَمْشِي بيْنَ القِطْعَتَيْنِ، ويقول له: قُمْ. فيقوم. فيسأله الدجال. فيقول الخضر: ما ازْدَدْتُ فِيكَ إلَّا بَصِيرَةً. فَيَأْخُذُهُ الدَّجَّالُ لِيَذْبَحَهُ، فيُجْعَلَ ما بيْنَ رَقَبَتِهِ إلى تَرْقُوَتِهِ نُحاساً، فلا يَسْتَطِيعُ إلَيْهِ سَبِيلًا، فَيَقْذِفُ به، فَيَحْسِبُ النَّاسُ أنَّما قَذَفَهُ إلى النَّارِ، وإنَّما أُلْقِيَ في الجَنَّةِ. قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: "هذا أعْظَمُ النَّاسِ شَهادَةً عِنْدَ رَبِّ العالَمِينَ" (متفق عليه. واللفظ لمسلم).

18: فيكون هذا آخر شخص يستطيعه الدجال، مما يعني أن المسيح عيسى بن مريم نازل.

19: فينزل عيسى صلى الله عليه وسلم، ويلاحق الدجال وجيشه، حتى يدركه فيذبحه باللد، كما تُذبح الشاة.

20: لم أتطرق إلى ذكر المهدي، لطول الموضوع، ولكنه يظهر قبل المسيح ويلقى الشدائد من الدجال.

21: ينزل عيسى فيصلي وراء المهدي.

22: يأتي يأجوج ومأجوج في حياة عيسى، فيأمره الله أن يتحصن بالطور، لأن لا أحد يستطيعهم. ثم يرسل الله عليهم الموت الزؤام، فيموتون مرة واحدة.

23: تتطهر الأرض منهم بالمطر. وتعود الحياة جميلة، إلى أن يأذن الله بموت عيسى صلى الله عليه وسلم.

24: فيقال إنهم يدفنونه بالحجرة المباركة عند أخيه محمد ـ صلى الله عليهما وسلم ـ ويقال إن له مكاناً مرصوداً هناك.

25: لا نعلم كم يستمر الزمن، لكن حين يأتي وعد الله، يُخرج للناس دابة الأرض تبشر الناس بمصائرهم، وتطلع الشمس من مغربها، فيرتفع التكليف، ولا يقبل الله توبة تائب.

26: يحفظ الله عباده من مشاهد الهول، فيرسل ريحاً ناعمة مباركة، تقتل كل من في قلبه ذرة من خير.

27: فلا يبقى على وجه الأرض إلا شرارها ممن يستحقون أن يسمعوا نفخة الصور، نفخة الصعق.

28: يمكث الناس في قبورهم ما شاء الله لهم أن يمكثوا، حتى إذا حان وقت قيامهم، نُفخ في الصور نفخة البعث، فخرج الناس ﴿مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ﴾ (الزمر/51).

اللهم رحمتك ورضاك وصحبة الأحباب. لا إله إلا أنت.