الرد على من ضعف حديث خير أجناد الأرض


  

"عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيرا ، فذلك الجند خير أجناد الأرض ، فقال له أبو بكر : ولم يا رسول الله قال : لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة".


هذا الحديث جزء من خطبة طويلة لعمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ خطبها في أهل مصر. فكان مما قال لهم: حدثني عمر أمير المؤمنين أنه سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: الحديث.


رواه ابن عبد الحكم في فتوح مصر، وابن عساكر، والدارقطني في المؤتلف والمختلف، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق، وابن زولاق الحسن بن إبراهيم الليثي في  فضائل مصر، وعزاه المقريزي في إمتاع الأسماع لابن يونس.


جميعهم من طريق ابن لهيعة، عن الأسود بن مالك الحميري، عن بحير بن ذاخر المعافري، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه.


أولاً: الكلام على السند:


أول ما يجب توضيحه إن الإسناد إلى ابن لهيعة صحيح، فحتى مضعفو الحديث لا يطعنون في صحة السند إلى ابن لهيعة.


يبقى بعد ذلك فحص الرجال من عند ابن لهيعة فما بعده.


قال مضعفو الحديث إن في سند هذا الحديث ثلاثة رجال، أولهم ضعيف (ابن لهيعة) وثانيهم مجهول (الأسود بن مالك) وثالثهم مستور (بحير بن داخر المعافري). فهم في رأيه ضعفاء كلهم.


ولعمري إن هذا الكلام لتسرع وافتئات على رواة موثقين.


وانا ذاكر أحوالهم بالحق إن شاء الله، ومؤجل الحديث عن ابن لهيعة إلى ما بعد الرجلين:


1ـ الأسود بن مالك الحميري:


ذكره ابن حبان في الثقات. ولم نسمع أن أحدا ضعفه، خصوصا وقد ادعوا انهم لم يجدوا له ترجمة. فتوثيق ابن حبان ترجمة كافية لو كانوا يعلمون. والمعروف أن من علم حجة على من يعلم، فقد علم ابن حبان حاله ووثقه، فلا يضره أن لا يعرفه آخرون. وهذا مقرر في علم مصطلح الحديث.


2ـ بحير بن داخر المعافري:


وثقه ابن حبان وقال فيه: كان الأسود يروي عنه. فهو لم يكن مستورا على الأقل في نظر ابن حبان. وبذا يكون الكلام عليه هو نفس ما قلناه عن الأسود.


3ـ ابن لهيعة:


يبقى ابن لهيعة الذي يختلف فيه علماء الجرح والتعديل، لا لضعفه مطلقا، بل لأنهم يقولون إنه صار سيء الحفظ في آخر عمره، فيحدث بما لا يعلم. أما قبل أن يصاب بالوهم فكان ثقة ثبتا. وهذه أقوال العلماء فيه:


قال فيه أحمد بن حنبل فيه: من كان مثل ابن لهيعة بمصر، في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه؟


وقال الهيثمي: ابن لهيعة حسن الحديث.


وقال أحمد بن صالح: كان ابن لهيعة صحيح الكتاب، طلابا للعلم.


وقال سفيان الثوري: عند ابن لهيعة الأصول، وعندنا الفروع.


أما الذين ضعفوه فقد ضعفوه بحجة احتراق كتبه، وتحديثه منها من حفظه، بعد أن أصيب بضعف الذاكرة.


والمعروف أن ما يرويه الراوي عن ابن لهيعة يجب فحصه، فإن كان بعد تاريخ احتراق الكتب، فترد روايته، أما إذا كان من يروون عنه قبل ذلك، فتقبل روايته.


والحديث المذكور رويه عن ابن لهيعة إسحاق بن الفرات، ويحيى بن بُكير وعبد الله بن وهب. وكلهم عدول ثقات. بل إن رواية عبد الله بن وهب عنه كانت قبل احتراق كتبه، وهي صحيحة كما صرح بذلك ابن حجر وغيره، حين أكدوا ان رواية العبادلة الثلاثة عن ابن لهيعة كانت قبل أن يختلف حفظ ابن لهيعة. والعبادلة الثلاثة هم: عبدالله بن وهب, وعبدالله بن المبارك, وعبدالله بن يزيد المقرئ.


بل وصحح الألباني روايات آخرين عنه.


وقد تقرر في علم الحديث أنه إذا اختلف العلماء في تعديل راو أو تجريحه فالحجة لمن يقدم البيان. فإن لم يقدم المجرحون دليلاً، كان التوثيق هو الأصل. نص على ذلك الإمام النووي قدس الله سره.


من هنا يتبين أن سند الحديث صحيح قطعاً.


ثانياً: الكلام على المتن:


لقد شهد لمتن هذا الحديث أحاديث صحيحة كثيرة، في فضل مصر، وأمر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالإحسان إلى أهلها، والاستقواء بهم في القتال. مما يدحض حجة من ضعفوا الحديث.


وهبه كان ضعيف السند ـ وليس كذلك ـ أفلا يرتفع بهذه الشواهد الكثيرة إلى مرتبة الصحيح؟


النتيجة:


إن حديث خير اجناد الأرض صحيح دون تردد.


والله أعلم