من مِشْكاة الُّنُبَّوة

حديث موسى والخضر عليهما السلام


غزة 14 نوفمبر 2022

الحديث بروايات عدة ـ مختصرة ومطولة ـ في الصحيحين، هذه أوفاها. وربما نستعين بغيرها في الشرح في حينه:

قال الإمام البخاري، رحمه الله رحمة واسعة من عنده، بما خدم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"حَدَّثَنِي قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: "إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْسَ بِمُوسَى الْخَضِرِ. فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ؛ حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: قَامَ مُوسَى خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقِيلَ لَهُ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ قَالَ: أَنَا. فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ. وَأَوْحَى إِلَيْهِ: بَلَى، عَبْدٌ مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. قَالَ: أَيْ رَبِّ، كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَيْهِ؟ قَالَ تَأْخُذُ حُوتاً فِي مِكْتَلٍ، فَحَيْثُمَا فَقَدْتَ الْحُوتَ، فَاتَّبِعْهُ. قَالَ: فَخَرَجَ مُوسَى، وَمَعَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَمَعَهُمَا الْحُوتُ، حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَنَزَلَا عِنْدَهَا، قَالَ: فَوَضَعَ مُوسَى رَأْسَهُ، فَنَامَ ـ قَالَ سُفْيَانُ: وَفِي حَدِيثِ غَيْرِ عَمْرٍو، قَالَ ـ وَفِي أَصْلِ الصَّخْرَةِ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا الْحَيَاةُ، لَا يُصِيبُ مِنْ مَائِهَا شَيْءٌ إِلَّا حَيِيَ، فَأَصَابَ الْحُوتَ مِنْ مَاءِ تِلْكَ الْعَيْنِ. قَالَ: فَتَحَرَّكَ، وَانْسَلَّ مِنْ الْمِكْتَلِ، فَدَخَلَ الْبَحْرَ. فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ مُوسَى، قَالَ ﴿لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا﴾ الْآيَةَ. قَالَ: وَلَمْ يَجِدْ النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ مَا أُمِرَ بِهِ. قَالَ لَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ: ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ﴾ الْآيَةَ. قَالَ: فَرَجَعَا يَقُصَّانِ فِي آثَارِهِمَا، فَوَجَدَا فِي الْبَحْرِ كَالطَّاقِ مَمَرَّ الْحُوتِ، فَكَانَ لِفَتَاهُ عَجَباً، وَلِلْحُوتِ سَرَباً. قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، إِذْ هُمَا بِرَجُلٍ مُسَجَّىً بِثَوْبٍ. فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى، قَالَ: وَأَنَّىٰ بِأَرْضِكَ السَّلَامُ! فَقَالَ: أَنَا مُوسَى. قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً﴾؟ قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: يَا مُوسَى، إِنَّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ، عَلَّمَكَهُ اللَّهُ، لَا أَعْلَمُهُ. وَأَنَا عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ، عَلَّمَنِيهِ اللَّهُ، لَا تَعْلَمُهُ. قَالَ: بَلْ أَتَّبِعُكَ. قَالَ: ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً﴾. فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ. فَمَرَّتْ بِهِمْ سَفِينَةٌ، فَعُرِفَ الْخَضِرُ، فَحَمَلُوهُمْ فِي سَفِينَتِهِمْ بِغَيْرِ نَوْلٍ ـ يَقُولُ:  بِغَيْرِ أَجْرٍ ـ فَرَكِبَا السَّفِينَةَ. قَالَ: وَوَقَعَ عُصْفُورٌ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَغَمَسَ مِنْقَارَهُ فِي الْبَحْرِ. فَقَالَ الْخَضِرُ لِمُوسَى: مَا عِلْمُكَ وَعِلْمِي، وَعِلْمُ الْخَلَائِقِ، فِي عِلْمِ اللَّهِ؛ إِلَّا مِقْدَارُ مَا غَمَسَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْقَارَهُ. قَالَ: فَلَمْ يَفْجَأْ مُوسَى، إِذْ عَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى قَدُومٍ، فَخَرَقَ السَّفِينَةَ. فَقَالَ لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ، عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ، فَخَرَقْتَهَا ﴿لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ﴾ الْآيَةَ. فَانْطَلَقَا، إِذَا هُمَا بِغُلَامٍ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَقَطَعَهُ. قَالَ لَهُ مُوسَى: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً* قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً﴾؟ إلى قوله: ﴿فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَأَقَامَهُ. فَقَالَ لَهُ مُوسَى: إِنَّا دَخَلْنَا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَلَمْ يُضَيِّفُونَا وَلَمْ يُطْعِمُونَا ﴿لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً* قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً﴾ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى صَبَرَ، حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا. قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْباً، وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِراً"

أولاً: الكلام في الإسناد:

قال البخاري رحمه الله: "حَدَّثَنِي قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ": فهو قد سمعه منه كما تفيد صيغة التحديث.

وقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ هو: ابن جميل بن طريف بن عبد الله الثقفي مولاهم. سمع من الأكابر كمالك والليث وحماد بن زيد وأبي عوانة. وأخذ عنه الأكابر، كأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وابن أبي شيبة والبخاري، وغيرهم. وكلهم وثقة.

قوله: «قَالَ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ»:

القائل هو قتيبة، ينقل ما سمع من سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. فقد سمعه منه كما تفيد صيغة «حَدَّثَنِي». وسفيان بن عيينة من أكابر الأئمة الحفاظ، وكثيراً ما يقرنون اسمه باسم سفيان الثوري، فيقولون: السفيانان. وكلاهما من الأكابر الثقات.

قوله: «عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ»:

سفيان ينقل بصيغة العنعنة عن عمرو بن دينار. وهي هنا تفيد الاتصال والسماع، لثبوت سماع سفيان من عمرو، فاستُبعِد التدليس. فإن قيل بأن سفيان بن عيينة قد يدلس؛ قلنا: لا يدلس سفيان عن ضعيف. والبخاري ومسلم خبيران بفرز التدليس، وعزل المدلسين الذين يخفون ـ في عنعناتهم ـ شيوخهم الضعفاء، فقد رأيناهما لا يخرجان حديث محمد بن إسحق رغم ثناء الكبار عليه.  

وعمرو بن دينار هو الجمحي شيخ الحرم المكي في زمانه: ثقةٌ ثبتٌ من التابعين، نشأ بمكة وأدرك عدداً من الصحابة وروى عنهم. كما سمع من سعيد بن جبير تلميذ ابن عباس. فإن قيل إن عمراً ربما دلّس، قلنا: ليس هذا منه، فقد ثبت اللقاء بينهما. وحسبك بإخراج البخاري روايته.

قوله: «عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ»:

عاش سعيد بن جبير بالكوفة، وثار على الحجاج مع ابن الأشعث، فلما فشلت ثورته هرب إلى بلاد فارس، لكنه كان يكثر من الحج، فهناك ظفر به خالد بن عبد الله القسري وحمله إلى الحجاج. ولا ريب أن عمرو بن دينار التقاه هناك وحمل عنه.

قوله: «"قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ»:

القائل هو سعيد بن جبير يسأل أستاذه. وابن عباس تنقل للعيش بين مكة والكوفة. وسعيد أنجب تلاميذ ابن عباس. وهكذا اتصل السند من البخاري إلى ابن عباس.

وابن عباس هنا يروي ما سمعه من أُبيّ بن كعب ـ رضي الله عنه ـ ، مما سمعه أُبّيٌّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاتصل الإسناد من البخاري إلى رسول الله، بنقل الثقة الضابط عن الثقة الضابط، من مبتدئه إلى منتهاه، مما يغيظ أعداء رسول الله.

ثانياً: شرح الحديث:

النص من صحيح البخاري:

«عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: "إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْسَ بِمُوسَى الْخَضِرِ. فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ؛ حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: قَامَ مُوسَى خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقِيلَ لَهُ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ قَالَ: أَنَا».

الشرح:

نوف البِكالي: هو ابن فَضالة. منسوب إلى بني بكال بن دعمي بن سعد بن عوف، بطن من حمير، ويُقال إنه ابن امرأة كعب الأحبار، وقيل: ابن أخيه. قال الحافظ في الفتح: "وهو تابعي صدوق"([1]).

قلت: فهو مثل كعب الأحبار، أحد أفراد العرب الذين تَهَوَّدوا ـ أو تَهَوَّدَ آباؤهم ـ قبل الإسلام، فلما جاء الإسلام، أسلموا. وقد قيل عن كعب ونوف هذين أن قد حَسُن إسلامهما. وعلى أيِّ حالٍ فهو ليس من بني إسرائيل، وله أخٌ من الصحابة يُسمى عمرو البكالي. وكان نوف البكالي من شيعة علي عليه السلام، فترى الشيعة يحتفون به، وربما رفعوه إلى مقام الحكماء، فيما هو عندنا مجرد صدوق ـ  كما رأينا ذلك لدى الحافظ قبل قليل ـ وهي مرتبة متدنية في الرجال المقبولين عند أهل الحديث. 

وسعيد بن جبير يسأل ابن عباس، عن صحة ما يقول نوف البكالي، من أن موسى سورة الكهف هو غير موسى بني إسرائيل. بل إن نوفاَ سماه فقال كما وقع عند ابن إسحق: "هو موسى بن ميشا، أي: ابن أفرائيم بن يوسف عليه السلام"([2]). ووقع في روايات أُخر أن ابن عباس كان متكئا فجلس وسأل: "أكذاك يا سعيد؟ فقال سعيد: قلت: نعم أنا سمعته"([3]).

قلت: فهذا ما أغضب ابن عباس أن يتكلم في ديننا من يتلقى علومه من أهل الكتاب.

والحق أن المحققين من المحدثين لا يقبلون ما يرويه الصحابي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن كان قد قرأ في صحف أهل الكتاب([4]). فكيف بالتابعي؟

فسعيد بن جبير يقول: «إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِيَّ يَزْعُمُ»: فإمّا أنّه كان يرى أن ما يقوله نَوْفُ الْبَكَالِيُّ عن موسى بني إسرائيل ـ صلى الله عليه وسلم ـ مجرد زعم مرجوح، وإمّا أنه يتأدب في حضرة شيخه ابن عباس، وقد علم أن له رأياً غير جيد في نوف البكالي. وأظنها الثانية: لأن جلوس ابن عباس من متكئه يدل على الغضب، وقوله: «كذب عدو الله»، هو على ظاهره اتهامٌ من ابن عباس لنوف البكالي بالكذب، وليس ـ كما رأيت في بعض الكتب ـ أنه يقصد إن نوفاً أخطأ، بدليل هذا الغضب من ابن عباس. وإنه لحقيقٌ بأن يوصف بهذا مسلم يفسر القرآن بما يقرؤه من كتب أهل الكتاب، وقد نُهينا عن ذلك أشد النهي، كما في حديث جابر من قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعمر وقد رآه يقرأ في التوراة: "أمُتَهَوِّكون فيها يا ابن الخطاب"([5])؟

فرد ابن عباس على سؤال تلميذه سعيد بن جبير فقال: «كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ؛ حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». فالقائل: «كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ» هو ابن عباس، يحدث عن أُبَيِّ بن كعب الأنصاري الخزرجي من بني النجار، ممن شهدوا بدراً من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي أمر الله رسوله أن يقرأ عليه القرآن. فهو أحد القراء الكبار الذين حملوا القرآن وأَدَّوْهُ لمن كتبوه في المصحف. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: "وأقرؤُهُم لِكِتابِ اللَّهِ أبيُّ بنُ كعبٍ"([6]).

وأٌبَيٌّ بدروه يحدث ما سمعه من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قَامَ مُوسَى خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقِيلَ لَهُ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ قَالَ: أَنَا».

وإذن فالقائل ـ منذ الآن ـ هو الرسول صلى الله عليه وسلم، يقصُّ على أصحابه ما دار بين موسى و الخَضِرِ عليهما السلام.

النص من صحيح البخاري:

"فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ. وَأَوْحَى إِلَيْهِ: بَلَى، عَبْدٌ مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. قَالَ: أَيْ رَبِّ، كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَيْهِ؟ قَالَ تَأْخُذُ حُوتاً فِي مِكْتَلٍ، فَحَيْثُمَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَاتَّبِعْهُ"

الشرح:

«فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ»:

وعتب الله ـ عز وجل ـ هو عتب لا كعتبنا، فلا قياس للخالق على المخلوق. وربما كان عتب الله في الحديث من الاستعمال اللغوي لما نفقه، تقريباً لنا. ولكن علينا أن نتأدب فنقول: عتب ليس كعتبنا.

وفي عتب الله على موسى، قال مولاي النووي قدس الله سره: "أي: كان حقه أن يقول: الله أعلم؛ فان مخلوقات الله ـ تعالى ـ لا يعلمها إلا هو، قال الله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ (المدثر/31)"([7]).

قلت: وهذا العتب من الله على موسى هو عتب التأديب. وإلا فموسى معذور إذ ظن نفسه أعلم أهل الأرض، فهو يتلقى عن الله رسالاته وكلامه. ولم يكن الكليم صلى الله عليه وسلم يظن أن هناك علماً يعرفه بعض الأولياء الأدنى منه منزلة، ولا يعرفه النبي، خصوصاً وأن درجة الوليّ لا تبلغ درجة النبي! ولذلك سنرى أن الله يلهم الولي أن يشرح لموسى هذا المعنى.

«وَأَوْحَى إِلَيْهِ: بَلَى، عَبْدٌ مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ»:

أوحى الله إلى موسى، وكلمه كذلك. فأي هذين كان معنى: «وَأَوْحَى إِلَيْهِ»؟ يبدو لي أنه الوحي الخفي، كالذي كان ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وإلا فموسى واقف يخطب في جمع من بني إسرائيل، ويتلقى عن الله وهو واقف تلقياً خفياً. فإن قيل كلمه بكيفية لا نعلمها، فيمكن أن يكون ذلك. ولكن لفظ: «أوحى»، يفيد الكلام الخفي. والله أعلم.

فقال الله لموسى: بلى، أي: نَفَيْنا نَفْيَك فأثبتنا عكسه، إذ يوجد من هو أعلم منك، وهو عبد من عبادي بمجمع البحرين.

وقد اختلفَ السلف في مكان هذا المجمع للبحرين، وكلٌّ قال بلا دليل. والأولى عندي أن يبحث عن تأويله فيما بين مصر وسيناء والأردن. فهذه المنطقة هي مولد موسى ومنشؤه ومبعثه.

ولأن لا التقاء بين البحرين الأبيض والأحمر، فلم تكن ثمة قناة، فليس إلا خليجا العقبة شرق سيناء، والسويس غربها، حيث يلتقي لسانا البحر الأحمر الشرقي والغربي في أقصى جنوب سيناء، عند رأس محمد بشرم الشيخ، كما تُرَجِّح بحوثٌ حديثة تستعين بالأقمار الصناعية"([8]). وعلى كل الأحوال فليس المكان هو المهم، بل العبرة والعظة.

«قَالَ: أَيْ رَبِّ، كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَيْهِ؟»:

فسأل موسى ربه: كيف أصل إليه لأتعلم منه؟

فانظر تواضع الأنبياء، تعلم منه أن موسى ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين قال إنه أعلم أهل الأرض، إنما كان يقول ما يراه الحقيقة، بعيداً عن تصنع الصغار اليوم. فلما أن علم الحقيقة التي تقول إن ثمة من هو أعلم منه، دعا ربه أن يعلمه كيف يصل إلى المعلم ليتعلم، وليجعل له آية علامة.

«قَالَ تَأْخُذُ حُوتاً فِي مِكْتَلٍ، فَحَيْثُمَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَاتَّبِعْهُ»:

الرسول النبي الأمي محمد ها هنا يقول بأن الله قال لموسى: تأخذ سمكة في مكتل (والمكتل هو المقطف، وكل حوت أو نون سمكة) والمقصود سمكة ميتة، ربما مطهية للأكل. وقال في رواية أخرى في البخاري: «خُذْ نُونًا مَيِّتاً، حَيْثُ يُنْفَخُ فيه الرُّوحُ»

فحدد له مكان المعجزة فقال: «حيث» الذي هو ظرف مكان. فكأن قد قال: ففي المكان الذي تُنفخ الروح في السمكة تجد العبد الصالح الذي ترغب في التعلم منه، فاتبعه. فذاك هو مجمع البحرين.

النص من صحيح البخاري:

"فَخَرَجَ مُوسَى، وَمَعَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَمَعَهُمَا الْحُوتُ، حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَنَزَلَا عِنْدَهَا، قَالَ: فَوَضَعَ مُوسَى رَأْسَهُ، فَنَامَ. وَفِي أَصْلِ الصَّخْرَةِ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا الْحَيَاةُ، لَا يُصِيبُ مِنْ مَائِهَا شَيْءٌ إِلَّا حَيِيَ، فَأَصَابَ الْحُوتَ مِنْ مَاءِ تِلْكَ الْعَيْنِ. قَالَ: فَتَحَرَّكَ، وَانْسَلَّ مِنْ الْمِكْتَلِ، فَدَخَلَ الْبَحْرَ"

الشرح:

قوله: «فَخَرَجَ مُوسَى، وَمَعَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ»:

علمنا منه اسم فتى موسى ـ صلى الله عليهما وسلم ـ وهو الذي دخل فلسطين بعباد الله، بعد موت موسى صلى الله عليه وسلم؛ كما جاء في المسند على شرط الصحيحين، من كلام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "إنَّ الشَّمسَ لم تُحبَسْ على بشرٍ، إلَّا ليُوشعَ لياليَ سار إلى بيتِ المقدسِ"([9]).

هذا وقد صرح حديث البخاري عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنّ يوشع نبيٌّ، قال: "غزا نبيٌّ من الأنبياءِ... فَدَنَا مِنَ القَرْيَةِ صَلَاةَ العَصْرِ أَوْ قَرِيباً مِن ذلكَ، فَقالَ لِلشَّمْسِ: إنَّكِ مَأْمُورَةٌ وأَنَا مَأْمُورٌ. اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا. فَحُبِسَتْ، حتَّى فَتَحَ اللَّهُ عليه"([10]).

فهذه ثلاث معلومات يُكمل بعضُها بعضاً: فلطالما رأيت من شعب الجبارين من ينكر أن يوشع نبي، ويؤلف الكتب في لعنه، والاحتجاج على ذلك بما ورد في التوراة ـ التي بين أيدينا ـ من "وحشية" الفاتحين لأريحا. فكأن قال وعيُ شعب الجبارين: إن يوشع لو كان نبياً، لما دخل فلسطين! كذا يفكر شعب تائه، يرجو رحمة الله بإغضابه.

قوله: «وَمَعَهُمَا الْحُوتُ، حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَنَزَلَا عِنْدَهَا، قَالَ: فَوَضَعَ مُوسَى رَأْسَهُ، فَنَامَ»:

فوصلا الصخرة. هكذا بأل التعريف التي للعهد، فكأن موسى وفتاه يبحثان عنها، وكأن الله قد أعلم موسى بها، وأنها علامة لمكان الخَضِرِ. 

فنام موسى، وترك الفتى ومعه السمكة المطهوَّة. ونومه ـ صلى الله عليه وسلم ـ سببٌ لإفلات السمكة دون أن يراها. وسبب كذلك لصبر يوشع، وعدم إعلام موسى بخبر السمكة، لأن الله أراد له أن ينسى، حتى يسيرا مسافة من الطريق. فمن يدري لم؟ فربما لم يُردِ اللهُ أن يُري موسى من أين انبعث الولي خضر!

قوله: «وَفِي أَصْلِ الصَّخْرَةِ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا الْحَيَاةُ، لَا يُصِيبُ مِنْ مَائِهَا شَيْءٌ إِلَّا حَيِيَ»:

هذا بيان بأن ما جاء في الأساطير من وجود «عين الحياة» له أصل في الكتب السماوية. ولا نعلم أين هي، وهل هي باقية؟ ففي هذا العالم الأرضي من الأسرار ما هو مستغلق على البشر، وربما يبقى كذلك، كما هو الأمر في «جبل الجودي» و«كهف الفتية» و«سد يأجوج ومأجوج». ولله الأمر من قبل ومن بعد.

النص من صحيح البخاري:

"فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ مُوسَى، ﴿قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً﴾ (الكهف/62). قَالَ: وَلَمْ يَجِدْ النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ مَا أُمِرَ بِهِ. قَالَ لَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ: ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً﴾ (الكهف/63). قَالَ: فَرَجَعَا يَقُصَّانِ فِي آثَارِهِمَا، فَوَجَدَا فِي الْبَحْرِ كَالطَّاقِ مَمَرَّ الْحُوتِ، فَكَانَ لِفَتَاهُ عَجَباً، وَلِلْحُوتِ سَرَباً"

الشرح:

قوله: «فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ مُوسَى، ﴿قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً﴾ (الكهف/62)»:

القائل هو رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحكي ما حدث لموسى وفتاه. فالرسول ها هنا يضطلع بدور الراوي العليم، الذي يرى أكثر من الشخصيات. ويقول: «فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ مُوسَى» إلخ.

ومحتوى حكاية الراوي، أن قد وصل موسى ويوشع ـ صلى الله عليهما وسلم ـ إلى مجمع البحرين، وهو مكان واسع، الهدف منه الوصول إلى الصخرة، التي استراحا عندها قبل قليل، ثم غادرها دون أن يعلما أنها مكان اللقاء الموعود بالخَضِرِ عليه السلام. وقد علمنا هذا مما حدث بعد ذلك، إذ رأينا موسى نائماً يستيقظ، ويطلب من يوشع أن يأتي بالسمكة المطهوة ليتناولاها غداءً بعد كل هذا التعب.

قوله: «قَالَ: وَلَمْ يَجِدْ النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ مَا أُمِرَ بِهِ»:

«النَّصَبَ» هو: التعب. «وَلَمْ يَجِدْ النَّصَبَ»: لم يشعر بالتعب. و«حَتَّى جَاوَزَ مَا أُمِرَ بِهِ»: ابتعد عن المكان الذي أُمر بأنه يقصده للقاء الخَضِرِ. والقائل رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته الراوي. والقول ها هنا جملة تفسيرية من الراوي العليم، واقعة بين كلام موسى وفتاه.

ومعنى المحتوى الذي أدته لغة الراوي: أن موسى لم يشعر بالتعب، إلى أن ابتعد عن مكان الصخرة، ليعود باحثاً عنها، لأن ثمة سيكون الخَضِرُ، الذي جاء ليتعلم منه.

قوله: «قَالَ لَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ: ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً﴾ (الكهف/63)»:

جملة: «قَالَ لَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ» هي من كلام الرسول بصفته الراوي العليم، الذي يربط بين أقوال الشخصيات ومسيرة الأحداث. وما بعدها من الآية هذه وما قاله موسى، هو الحوار محكياً بلغتنا العربية كما عرضها القرآن. وإلا فإن موسى وفتاه لم يكونا عربيين، بل لم يكونا يتكلمانها، وربما لم تكن قد استوت على سوقها بهذا الجمال والكمال.

ومحتوى الحوار، أن قد أجاب يوشعُ موسى، فقال: أتذكر حين جلسنا عند الصخرة؟ فثمة قامت السمكة المطهوّة حية، ودخلت في الماء وانطلقت في طريقها في البحر، وقد نسيتُ أن أخبرك بهذا في حينه.

وهذا الكلام من يوشع، يدل على أن موسى نام هناك، ولم يشأ فتاه أن ينبهه للمعجزة، مُمَنِّيَاً نفسه بأن سيخبره بها حين يقوم. لكنه الآن يذكر له ما حدث، بعد أن ابتعدا عن المكان مسافة طويلة.

قوله: «قَالَ: فَرَجَعَا يَقُصَّانِ فِي آثَارِهِمَا»:

القائل هو رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعيد صياغة الحدث بلغته. وقبل ذلك كان ينقل ما يدور من الحوار بين موسى وفتاه. فالآن يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن موسى وفتاه رجعا يتتبعان آثار أقدامهما، ليعودا إلى حيث كانا عند الصخرة. وبالإمكان الآن تخيل الراوي يرافق موسى وفتاه وهما يتتبعان آثار أقدامهما. وفي هذا الخبر دلالة على أن موسى وفتاه الآن يسافران في الصحراء، فلا إشارات تدل في الطريق الخالي غير أثر الأقدام.

قوله: «فَوَجَدَا فِي الْبَحْرِ كَالطَّاقِ مَمَرَّ الْحُوتِ، فَكَانَ لِفَتَاهُ عَجَباً، وَلِلْحُوتِ سَرَباً»:

«الطاقُ»: الفتحة المستديرة في البناء. قال عمرو بن حسان الكلابي:

بَنَى بالغَمْرِ أرْعَنَ مُشْمَخِرّاً     يُغنّي في طوائِقِه الحَمامُ([11])

«مَمَرَّ الْحُوتِ»: بدل عن «الطاقُ» فهو طريق السمكة إلى البحر.

والقائل هو الراوي العليم الذي يسير مع المسافرين، ويصف المكان، ويعيد صياغة كل ذلك في حدث. وهذا الراوي العليم شخصية ابتدعها الرسول وسيلة قص، ليخبر من خلالها بمحتوى ما جرى بلغته.

فالآن يقول الراوي أن قد انفتح في ماء البحر مسربٌ، يشبه النافذة المستديرة، دخلته السمكة، وانسربت خلاله في طريق خاص في البحر. فَكَانَ هذا الطاق في الماء ليوشع عَجَباً، وَلِلْسمكة طريقاً.

النص من صحيح البخاري:

"قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، إِذْ هُمَا بِرَجُلٍ مُسَجَّىً بِثَوْبٍ. فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى، قَالَ: وَأَنَّىٰ بِأَرْضِكَ السَّلَامُ! فَقَالَ: أَنَا مُوسَى. قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً﴾"؟

الشرح:

قوله: «فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، إِذْ هُمَا بِرَجُلٍ مُسَجَّىً بِثَوْبٍ»:

«إِذْ» في قوله: «إِذْ هُمَا بِرَجُلٍ مُسَجَّىً بِثَوْبٍ» حرف للمفاجأة: أي: فوجئا بِرَجُلٍ مُغَطَّىً بثوب. قلت: كأنه كان يستريح للنوم، أو صحا منه، أو ينتظر شيئاً قادماً على هُوْنِهِ.

قوله: «فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى، قَالَ: وَأَنَّىٰ بِأَرْضِكَ السَّلَامُ»!:

أي: قال له: «السلام عليكم». والمظنون أن نبيَّ الله سلَّم على الخَضِرِ أتمَّ تسليم فقال: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته». فقال له الخَضِرُ: «وَأَنَّىٰ بِأَرْضِكَ السَّلَامُ»! يستغرب ويستبعد أن يكون بالأرض سلام.

وفي معنى «أَنَّىٰ» قال مولاي النووي قدس الله سره: «وَأَنَّىٰ» أي: من أين السلام في هذه الأرض التي لا يُعرَفُ فيها السلام؟ قال العلماء: «أَنَّىٰ» تأتي بمعنى: أين، ومتى، وحيثُ، وكيف"([12])؟

قلت: وفي إضافة الخَضِرِ الأرضَ لموسى في قوله: «بِأَرْضِكَ» كأن ثمة إشارة من وليِّ الله إلى أرض أخرى هو فيها، لا يغيب عنها السلام، غير أرض موسى التي قلّما يحلُّ فيها السلام.

قوله: «فَقَالَ: أَنَا مُوسَى. قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ»:

يوجد ـ عندي ـ في تأويل سؤال الخَضِرِ لموسى: «مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ»؟ ثلاثة تأويلات:

1: يحتمل أن قد علم الخَضِرُ وجود موسى آخر، من غير بني إسرائيل.

2: ويحتمل أنه سأله تعظيماً: كأن يُقال لك: «قال رسول الله»، فتسأل: «محمد النبيُّ الأُمّيّ»؟ فتذكر صفته الأحبّ إلى قلبك، تعظيماً له.

3: ويحتمل أنه سأله ليعلم موسى أن الخَضِرَ لا يعلم كل شيء. فهذا السؤال من تعليم الخَضِرِ لموسى، كأنه يقول له: «ما ستتعلمه من العلم اللّدني عندي، ليس كل العلم، الذي ليس عندي منه، إلا ما علمنيه ربي وربك».

قوله: «قَالَ: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً﴾»؟:

فيه تأدُّب التلميذ في حضرة الأستاذ، ولو كان خيراً منه. فالمتعلم مسألةً ممن يعلمها، ينبغي له أن يتصاغر له، فيسأله مُتَرَجِّياً مُتَحَنِّناً، ليحفظ للعلم قيمته، وللعلم هيبته. وقد رَكِبَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه، فَأَخَذَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنه بِرِكَابِهِ. فَقَالَ لَهُ: لا تَفْعَلْ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ. فَقَالَ: هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِعُلَمَائِنَا. فقال زيد: أَنَّىٰ يداكَ؟ فأخرج يديه، فقبّلهما فقال: هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا"([13]).

والاتِّباع: أَن يَسِير الرجل وأَنت تسير وراءَه. ففيه تابع ومتبوع. والأول أدنى منزلة. ويُقال: "ما زِلْتُ أَتَّبِعُهم حتى أَتْبَعْتُهم، أَي: حتى أَدركْتُهم"([14]).

قلت: هذا يقوله تلميذٌ يفخر بتحصيل علم شيخه. ولا يقول هذا تلميذ تعلم الأدب، فحتى لو ظن أنه حاز علم شيخه، فعليه أن يُشعِر قلبه بأن لدى شيخه ما هو أفضل ولا يعلمه. وقد رأيت العالم كله يشهد لسيدي الشافعي ـ رضي الله عنه ـ أنه من الأوتاد في الأرض، وأنه أدرك علم شيخه مالك وزاد عليه. لكن الشافعي ـ رضي الله عنه ـ لم يُشعر قلبه هذا ولا صرَّحَ به، بل كان ينكر أن يكون في مكانة شيخه. فرحم الله أقواماً علمونا أخلاقاً، نجهد أن نتعلمها فلا نستطيع.

النص من صحيح البخاري:

"قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: يَا مُوسَى، إِنَّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ، عَلَّمَكَهُ اللَّهُ، لَا أَعْلَمُهُ. وَأَنَا عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ، عَلَّمَنِيهِ اللَّهُ، لَا تَعْلَمُهُ"

الشرح:

فقال الخَضِرُ لموسى، في رواية أخرى في البخاري: "أَمَا يَكْفِيكَ أَنَّ التَّوْرَاةَ بِيَدَيْكَ وَأَنَّ الْوَحْيَ يَأْتِيكَ يَا مُوسَى"؟ وكيف تتبعني لتتعلم مني؟ ما لا ينبغي لك أن تتعلمه ولا تطيقه، ولا ينفعك، إذ هو يخالف شرعك؟ إن لديك علماً من الله عليك اتباعه، وليس عليك اتباع ما يخالفه. وإنَّ لديَّ علماً لا يقبل بضوابط الشريعة، لأنه يتعداها إلى ما قبلها من الحكمة الإلهية في فرض الشرائع.

قلت: فالحكمة في فرض الشرائع، تعليم الناس العبادات الظاهرة، بما يقودهم إلى صفاء القلوب، وإقامة العدل بين الناس، بما يصلح المجتمع. وأما علم الحقيقة ـ الذي يؤتيه الله أولياءه ـ فرؤية القلب لما وراء علة الحكم من حكمة الخالق.

ولكي أزيد الأمر بياناً أقول مستعيناً بمولاي العليم الحكيم: إن للشرائع عِللاً، هي التي يراها الناس مرتبطة بالحكم، وربما كان الحكم بسببها. ولكنهم لا يقطعون بأنَّها السبب في تنزل الحكم، أو الحكمة الإلهية فيه. ولطالما شرحت ذلك في دروس علم الأصول: إذ العِلَّةُ ـ عندي ـ سببٌ مظنون غير قطعي، يخاطب عقول المجتهدين، وبه يرتبط الحكم في ظنهم الغالب الذي تقوم به الشريعة. فلا جرم كانت أحكام الشرع فروعاً يكفي فيها غلبة الظن.

أما الحكمة من تشريع الحكم، فلا يعلمها البشر، لأنَّ الله لم يكلفهم علمها. ولو أظهرها الله، لاضطربت أحوال العلم الظاهر، ولَتَعَطَّلَتِ الشرائعُ: مثال ذلك: أن قد شهد أربعةٌ من العدول بأن فلاناً وفلانة قد زنيا. وعلم اللهُ أن أحد الشهداء كذب، أو أن الأربعة علموا ظَنّاً، وشهدوا ظَنّاً، وربما كان في الأمر لبس هيّأ لهم أن قد حدث هذا هكذا، فصرحوا بما ظنّوا، لسببٍ من الأسباب.

فلو أعلن الله أن سيقام الحد على كل من علم الله أنه ارتكب الجرم، لتعطل الشرع، ولكان على الحاكم أن يعلم ما يعلم الله، في كل حكم، أو يعطل الحدود. وقل مثل ذلك في باقي أحكام الشريعة.

ولدينا ها هنا وليٌّ هو الخَضِرُ عليه السلام، أعلمه الله من علمه ما يرى به حقائق الأمور المذكورة ها هنا، ما لا يمكن ـ بل ولا ينفع ـ لصاحب شريعة أن يعلمه، ليحكم به. ولو أن خضع الخَضِرُ لشريعة موسى، لاستحق القصاص في ثلاثٍ، سنراها بعد قليل. ولو لم يعلم موسى أن ذلك كذلك، لأقام الحد عليه.

قلت: ولذلك يجب على الوليّ اتَباع الشرع، وكتم ما يعلمه من الله، أو يصيبه حكم الشرع.

هذا فيما يجب وما لا يجب. أما في الفضيلة، فسيدنا الخَضِرُ ـ عليه السلام ـ يعلم حدوده، ويدرك أنه أدنى من مكانة النبي موسى صلى الله عليه وسلم: فإن كان لديه بعضٌ مما حجبه الله من العلم عن موسى، فإن لدى الكليم أبعاضاً كثيرة هيهات للخضر ـ ولكل الأولياء ـ أن يعلموها. وقد تقرر في عقيدتنا أن نبياً واحداً أفضل من كل الأولياء. ولكنه درس الله لموسى. ودرس الله لنا أن نعلم أن الفاضل قد يتبع المفضول، ليستفيد من علمه بعض ما لا يعلم.

النص من صحيح البخاري:

قَالَ: بَلْ أَتَّبِعُكَ. قَالَ: ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً﴾. فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ.

الشرح:

قوله: «قَالَ: بَلْ أَتَّبِعُكَ»:

القائل ها هنا هو رسول الله يروي ما قاله موسى للخضر. وقوله: «قال: ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً﴾»: القائل  ها هنا كذلك هو الراوي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينقل ما سمعه من ربّهِ في الحكاية، كما أنزله عليه في القرآن، فيقول: «قال». والفاعل المشار إليه في الضمير المستتر «هو»: سيدنا الخَضِرُ عليه السلام. أي: فقال الخَضِرُ.

والمعنى: أن قد اشترط الوليُّ الخَضِرُ، على النبيّ موسى، أن يقبل النبيُّ بشرط الوليّ، حتى يسمح الوليُّ للنبيّ باتباعه. وثمة مضمر في الحكاية، تقديره أن موسى قبل بشرط الخَضِرِ، عليهما السلام.

ومن الفوائد في هذا:

1: تأديب الأستاذ لتلميذه، بما لا يعلمه التلميذ. ولا يشترط في الأستاذ أن يُعْلِم التلميذَ، لم هو يفعل معه هذا. فالأصل أن يثق التلميذ بالأستاذ ثقة تامة، أو فلا يتبعه.

2: بيان خطأ ما يروّج له الكفار في بلاد المسلمين، مما يسمونه بالعملية التعليمية الحديثة، التي يصفونها بديموقراطية الحوار بين طرفين متساويين. فالماء لا يمضي في طريق مستوٍ.

3: عملية التَّعَلُّمِ فيها من العبودية ما يصغر بالمتعلم، ويرتفع بالأستاذ.

4: نزول المتعلم على شرط المعلم، وإن كان لا يفهم الأسباب.

ثانياً: قوله: «فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ. فَمَرَّتْ بِهِمْ سَفِينَةٌ»

فيه من اللغة أن الاثنين جمع، فأنت ترى أنه قال: «فَانْطَلَقَا» بضمير المثنى، ثم قال: «فَمَرَّتْ بِهِمْ» بضمير الجمع. وهذا مثل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ (الحجرات/9). ولا حجة في ردِّ ذلك إلى المعنى، لأن الضمائر في اللغة تتبع الظاهر، فلا يُقال بأن الطائفتين فيهما جمعٌ من الناس، فخوطبوا وفقه. كما لا يُقال هنا بأن شخوص الحكاية ها هنا ثلاثة، موسى والخَضِرُ ويوشَع المُضْمَرُ ذِكْرُهُ.

النص من صحيح البخاري:

"فَمَرَّتْ بِهِمْ سَفِينَةٌ، فَعُرِفَ الْخَضِرُ، فَحَمَلُوهُمْ فِي سَفِينَتِهِمْ بِغَيْرِ نَوْلٍ ـ يَقُولُ:  بِغَيْرِ أَجْرٍ ـ فَرَكِبَا السَّفِينَةَ. قَالَ: وَوَقَعَ عُصْفُورٌ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَغَمَسَ مِنْقَارَهُ فِي الْبَحْرِ".

الشرح:

قوله: «فَمَرَّتْ بِهِمْ سَفِينَةٌ، فَعُرِفَ الْخَضِرُ»:

بالبناء للمجهول، أي: عَرَفَ ركابُ السفينة الخضرَ عليه السلام. وفي بعض الشروح أن ركاب السفينة خافوهم، فعرض عليهم الخضرُ ضعف الأجرة. لكن رُبّان السفينة قرر أن يحملهم تَبَرُّكاً بهم، وقد رأى النور على وجوههم. فذلك على ما يبدو أنه معنى قوله: «فَعُرِفَ الْخَضِرُ»([15]).

قوله: «فَحَمَلُوهُمْ فِي سَفِينَتِهِمْ بِغَيْرِ نَوْلٍ ـ يَقُولُ:  بِغَيْرِ أَجْرٍ»

الضمير في: «فَحَمَلُوهُمْ» بالجمع في الحامل والمحمول: 

1: ففي الحامل لأن السفينة للمساكين، وأما القرار فللربان كما هو معروف في قوانين البحار قديماً وحديثاً.

2: وأما في المحمول فقد قلنا إنهم ثلاثة: موسى والخضر ويوشع. ولو كانا اثنين لجاز ضمير الجمع كما بينا في السابق.

وقوله: «يَقُولُ:  بِغَيْرِ أَجْرٍ»

هذا كلام ابن عباس الراوي عن أُبي بن كعب، أو كلام أُبيٍّ ـ رضي الله عنه ـ يفسر معنى ما ينقل من كلام الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من معنى «النول».

والمعنى: حملوهم مجاناً، تَبَرُّكاً بالنُّور الذي يشعُ من وجوههم. وفيه جواز التبرك بالأولياء والصالحين، فقد قبل الخضر من المساكين أن يتصدقوا عليهم.

فحملهم الربّان مجاناً. والحق أنه نال من بركتهم أكثر من كل المال.

قوله: «فَرَكِبَا السَّفِينَةَ. قَالَ: وَوَقَعَ عُصْفُورٌ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَغَمَسَ مِنْقَارَهُ فِي الْبَحْرِ»:

القائل: «قَالَ: وَوَقَعَ عُصْفُور عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَغَمَسَ مِنْقَارَهُ فِي الْبَحْرِ»: هو ابن عباس الراوي عن أُبي بن كعب، رضي الله عنهما. ويمكن أن يكون القائلَ أُبَيٌّ نفسُه، يقول: إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو من قال: وَوَقَعَ عُصْفُور.. إلخ.

والمعنى: انصبَّ عصفورٌ من الفضاء، فوقف على حرف السفينة، فَغَمَسَ مِنْقَارَهُ فِي الْبَحْرِ.

وفيه مضمر تقديره: "فأخذ من الماء". والمعنى: أن العصفور وقف على حرف السفينة، فأخذ بمنقاره من ماء البجر.

ولقد تساءلتْ نفسي في نفسي: أوَ يشرب العصفور ماء البحر المالح؟ ثم سألت بعض لداتي، فذكّروني بما كنا نرى ـ ونحن صغار ـ من طائر صغير كنا نسميه "القَيّاس" يأخذ بفمه من البحر، ثم يرفع رأسه ـ كما لو كان يتمضمض ـ ثم يخفضه. فلعله كان يُعيد الماء في البحر. ويبدو أن قد سميناه بالقَيَّاس، نسخرُ منه أنْ يقيس المسافة بين السماء والأرض بعينيه.

النص من صحيح البخاري:

"فَقَالَ الْخَضِرُ لِمُوسَى: مَا عِلْمُكَ وَعِلْمِي، وَعِلْمُ الْخَلَائِقِ، فِي عِلْمِ اللَّهِ؛ إِلَّا مِقْدَارُ مَا غَمَسَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْقَارَهُ. قَالَ: فَلَمْ يَفْجَأْ مُوسَى، إِذْ عَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى قَدُومٍ، فَخَرَقَ السَّفِينَةَ. فَقَالَ لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ، عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ، فَخَرَقْتَهَا ﴿لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ﴾ الْآيَةَ".

الشرح:

قوله: «فَقَالَ الْخَضِرُ لِمُوسَى: مَا عِلْمُكَ وَعِلْمِي، وَعِلْمُ الْخَلَائِقِ، فِي عِلْمِ اللَّهِ؛ إِلَّا مِقْدَارُ مَا غَمَسَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْقَارَهُ»:

هذا على جهة التشبيه اللغوي، لتقريب الفهم للسامع. فلم يكن مستطيعا الخضرُ أن يقارن بين علم الخلق وعلم الله، إلا بهذا التشبيه المستحيل، فيقول: «مِقْدَار» فحتى لو قال: "أدنى من مقدار" لما أمكن تجنب المقارنة والتشبيه. ذلك أن حقيقة كلِّ ما لم تدركه التجربة مستحيلةٌ، فيأتي التشبيه لينوب باللغة عن الحقيقة. وإلا فعلم الخضر وموسى والخلائق، مقارنة بعلم الله، أدنى من ذلك بكثير وبما لا يُقاس.

قوله: قَالَ: «فَلَمْ يَفْجَأْ مُوسَى، إِذْ عَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى قَدُومٍ، فَخَرَقَ السَّفِينَةَ»:

في الخطاب محذوف يعتمد على إتمام السامع للخطاب، هو حرف الاستثناء "إلا". والتقدير: "فَلَمْ يَفْجَأْ مُوسَى، إلا إِذْ عَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى قَدُومٍ، فَخَرَقَ السَّفِينَةَ"

والمقصود المبالغة في شعور موسى بالمفاجأة مما فعل الخضر. وفي صحيح مسلم أن قد أتى أبو جهلٍ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَهو يُصَلِّي ـ زَعَمَ لِيَطَأَ علَى رَقَبَتِهِ ـ قالَ: فَما فَجِئَهُمْ منه إلَّا وَهو يَنْكُصُ علَى عَقِبَيْهِ، وَيَتَّقِي بيَدَيْهِ"

والمعنى فلم تحدث لموسى مفاجأة بقوة ما حدثت هذه المرة، إذ رأى الخضر يمسك بقدوم ـ وهو المعروف من أدوات النجار ـ فيخرق به السَّفِينَةَ!

قوله: قَالَ: «فَقَالَ لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ، عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ، فَخَرَقْتَهَا ﴿لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ﴾ الْآيَةَ".

المعنى: أن موسى استنكر أن يخرب الخضر سفينة حملتهم مجاناً، كما لو كان يقول له: أجزاء المعروف هذا الإنكار؟

ثم يُحيلنا الراوي إلى ما تقوله الآية وما تلاها من سورة الكهف: ﴿قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً* قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً* قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً﴾ (71 ــ 73).

والمعنى: أن الخضر لام موسى أن أنكر عليه خرق السفينة، وقد اشترط الخضر عليه أن يصبر على كل ما يستغرب من تصرفات الخضر، حين قال له قبل قليل: ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً﴾ (الكهف/70).

النص من صحيح البخاري:

"فَانْطَلَقَا، إِذَا هُمَا بِغُلَامٍ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَقَطَعَهُ. قَالَ لَهُ مُوسَى: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً* قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً﴾؟ إلى قوله: ﴿فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَأَقَامَهُ. فَقَالَ لَهُ مُوسَى: إِنَّا دَخَلْنَا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَلَمْ يُضَيِّفُونَا وَلَمْ يُطْعِمُونَا ﴿لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً* قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً﴾"

الشرح:

قوله: «فَانْطَلَقَا، إِذَا هُمَا بِغُلَامٍ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَقَطَعَهُ»:

يواصل الراوي العليم، رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حكاية رحلة موسى والخضر، وقد جاء يتعلم منه موسى، ولكنه متعجل، يُخِلُّ بشروط التعلم.

يقول الراوي: «فانطلقا». والمعنى أن تم لوم الخضر لموسى، فواصلا رحلتهما.

وقوله: «فَانْطَلَقَا، إِذَا هُمَا بِغُلَامٍ» فيه حرف ربط محذوف بين قوله: «فَانْطَلَقَا» وقوله: «إِذَا هُمَا بِغُلَامٍ» تقديره: «فَانْطَلَقَا فإِذَا هُمَا بِغُلَامٍ»، كما جاء ذلك في روايات أخرى في الصحيح. فإن كان لساني العربي سليماً، فهذا الحذف ليس من فعل الرسول، بل من رواية واحد من سلسلة الرواة نقله بالمعنى، فأخطأ الجميل إلى الأدنى. وليس أبلغ ولا أجمل مما ورد في التنزيل العزيز من قوله تعالى: ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ﴾ (الكهف/74) حيث جاءت ﴿حَتَّى﴾ رابطة.

وقوله: «يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ» دليل على أنه صبيٌّ غير مكلف ولا تجري عليه أحكام الشريعة في الأرض، ولا مؤاخذة الله في السماء. قوله: «فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَقَطَعَهُ» واضحٌ في أن ولي الله الخضر قتل غلاماً دون وجه حق. ولو كان الأمر لشريعة موسى، لوجب القصاص على الخضر، فلَقِيْدَ به، فقطع موسى رأسه برأس الغلام. أليس في شريعة التوراة قوله تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ﴾ (المائدة/45)؟

لكن هيهات أن يكون ذلك لموسى، وقد أرسله الله ليتعلم من الخضر، الذي هو أعلم منه. ولكن أعصاب موسى حديد عصبيٌّ. فإذا اجتمعت الحدّة مع الصدق، غفر لها الصدق. وقد رأينا أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ أجمل حَدِيْدٍ في تاريخ الإسلام.

قوله: «قَالَ لَهُ مُوسَى: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً* قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً﴾»؟

ها هنا ينقل إلينا الراوي محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ النص القرآني الذي أنزله الله، في القائل والمقول له والقول المقول. فموسى ينكر، والخضر يلوم موسى لا لأنه أنكر، بل لأنه تعجل في إعلان إنكاره، فلم ينتظر أن يعلمه الخضر بالسر.

قوله: «إلى قوله: ﴿فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾»:

قوله: «إلى قوله» لا أُراه من حرف الرسول صلى الله عليه وسلم، بل من رواية راوٍ يختصر ما يقول، فيحيل إلى الآي المعروف. وإني لأظن أن قد تلا رسول الله الآيات من أول الحدث إلى آخره، فتلك عادة سيد العابدين وإمام البلغاء صلى الله عليه وسلم.

قال مولاي النووي قدس الله سرّه: "قوله تعالى: ﴿فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾: هذا من المجاز، لأنّ الجدار لا يكون له حقيقةُ إرادةٍ. ومعناه: قَرُبَ من الانقضاض، وهو: السقوط. واستدلَّ الأصوليون بهذا على وجود المجاز في القرآن. وله نظائر معروفة"([16]).

وحاصل الأمر أن موسى والخضر ـ عليهما سلام الله في كل حين ـ طلبا طعاماً من أهل قرية، فبخلوا وأبو. ولكن الخضر رأى جداراً يهم بالوقوع.

قوله: «فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَأَقَامَهُ»:

هذا من تراسل الحواس، وهو استعارة حاسة لأخرى. بها عبر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الفعل بالقول، والمعنى: فأشار بيده هكذا للجدار فأقامه سليماً، وكان موشكاً على الوقوع. ويبدو لي أن قد مَثَّل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للحاضرين حركة الخضر بيده للجدار. وفي صحيح مسلم عن عمارة بن رؤيبة رضي الله عنه قال: "لقَدْ رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ـ ما يَزِيدُ علَى أَنْ يَقُولَ بيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بإصْبَعِهِ المُسَبِّحَةِ". وفي رواية أخرى للبخاري: "قَالَ سَعِيدٌ: بِيَدِهِ هَكَذَا. وَرَفَعَ يَدَهُ فَاسْتَقَامَ".

والمقصود أن سعيد بن جبير ـ الراوي عن ابن عباس ـ فَسَّر كيف أقام الخَضِرُ الجدارَ، فقال بأنه أشار إليه بيده فاستقام الجدار.

قلت: وهذا إن كان الخَضِرُ ولياً فهو من كراماتهم؛ وإن كان نبياً، فهو من معجزاتهم. والله أعلم.

قوله: «فَقَالَ لَهُ مُوسَى: إِنَّا دَخَلْنَا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَلَمْ يُضَيِّفُونَا وَلَمْ يُطْعِمُونَا ﴿لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً* قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً﴾»:

فاعترض موسى على إقامة الخَضِرِ الجدارَ بغير أجرة، في قرية لم تطعمهم، فكأن أراد موسى منه أن لو طلب أجرة ليأكلا بها. فقال له الخَضِرُ بأنه قد استنفد فرصه الثلاث، وأن قد وجب الفراق. وأنبأه بأنه سيشرح له حقيقة ما حدث في المرات الثلاث.

وقبل أن ننتقل إلى ختام الحديث، ربما يجب أن نتذكر أن قد ذكرت سورةُ الكهف معنى أفعال الخضر التي أنكرها موسى، كما في قوله تعالى، يحكي ما قال الخَضِرُ بلغتنا العربية:

أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً﴿79﴾ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً﴿80﴾ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً﴿81﴾ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً﴿82﴾

1: فكان قصد الخَضِرِ ـ عليه السلام ـ من خرق السفينة، أن تسقط من عين الملك، فلا يصادرها، فتبقى لأهلها المساكين.

2: وأما قَتْلُهُ الغلامَ، فلِما علمَ من علم الله، أن الغلام إن كبر فسيعقّ والديه ويغضبهما بكفره بالله، وهما مؤمنان. وهذا يُذَكِّرنا بقوله تعالى يذكر غلاماً مشابهاً: ﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ (الزخرف/17).

3: وأما إقامته الجدارَ دون أجرةٍ في بلد بخيلٍ أهلُهُ، فلأن الجدار لولدين يتيمين، دفن أبوهما تحته كنزاً لهما قبل موته، فشاء الله ألا يقع الجدار فيظهر الكنز، فيسلبه أهل القرية الظالمون. فأمر اللهُ الخَضِر بأن يقيمه، فأقامه.

4: وعلة كل ذلك أن قد أمر الله الخضر بما لا يعلم حكمته موسى. فاعترض موسى على ما لا يعلم، فأُقْصِيَ عن التعلُّم تأديباً له في الأخرى، كما أُدّب في الأولى. ويبدو أن هذا هو أصل ما كان يُرَدِّدُه أجدادنا ـ كلما حكوا حكاية من حكايا موسى مع ربه ـ مما رأوه قول ربه له: «تأدّب يا موسى».

والآن إلى ختام الحديث كما هو في صحيح البخاري:

"فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى صَبَرَ، حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا. قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْباً، وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِراً"

الشرح:

قوله: «وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى صَبَرَ، حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا»

هذا دليلٌ على أن علم الغيب لله، وأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما قص لنا ها هنا قصة موسى والخضر، مما أعلمه الله بالوحي الخفي، أما ما وراء ذلك فلا يعلمه، حتى إنه تمنى أن لو صبر موسى ليتعلم محمد. فصلى الله وسلم على أجمل الأنبياء، وأكرم الأنبياء، وأشد الأنبياء تواضعاً.

قوله: «قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْباً، وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِراً»

هذا من كلام الراوي سعيد بن جبير عن أستاذه ابن عباس. والمعنى: أن ابن عباس كان إذا قرأ هذه الآيات على تلاميذه، فسرها فقال: «وَكَانَ أَمَامَهُمْ» بياناً لمعنى ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ﴾ في الآية، ويقول: «كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ» بياناً لما أُبهم من معنى ﴿كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً﴾.

فإن قال قائل: بل هو قرآن في قراءة ابن عباس، قلنا: قراءة الآحاد ليست قرآناً، إذ لا بد من التواتر، وتوافق المحفوظ للمكتوب. 

انتهى الحديث والشرح.  

لا إله إلا الله محمد رسول الله.


الإحالات: 

[1]ـ فتح الباري. ج8. ص413

[2]ـ فتح الباري. ج8. ص413

[3]ـ فتح الباري. ج8. ص413

[4]ـ انظر: البداية والنهاية. ج1. ص219، ج2. ص127، ص365، ص298  

[5]ـ حديث: أمتهوكون فيها يا بن الخطاب؟ ضعفه شعيب الأرنؤوط، في تخريج المسند. لكن حسنه الألباني في "إرواء الغليل" بشواهد عدة. انظر: ج6. ص35. حديث رقم: 1589. انظر: موسوعة الحديث عندي رقم: 80

[6]ـ أخرجه النسائي في الكبرى، والترمذي ـ واللفظ له ـ وقال: "هذا حديث حسن صحيح" ج5. ص665. حديث رقم: 3791. وصححه الألباني.

[7]ـ صحيح مسلم بشرح النووي. ج15. ص137

[8]ـ انظر: موقع إعجاز القرآن والسنة. 20 أكتوبر 2022. رابط:

https://quran-m.com/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%82%D9%85%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%B9%D9%86-%D9%85%D8%AC%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D9%86/

[9]ـ مسند أحمد. ج2. ص325. حديث رقم: 8298. وصححه الألباني. وقال شعيب الأرنؤوط: "إسناده صحيح على شرط البخاري".

[10]ـ متفق عليه. واللفظ للبخاري.

[11]ـ انظر: صحاح الجوهري، والقاموس المحيط وتاج العروس. مادة: طوق.

[12]ـ صحيح مسلم بشرح النووي. ج15. ص139 ــ 140

[13]ـ ابن كثير. البداية والنهاية. ج8. ص331

[14]ــ انظر: لسان العرب. مادة: تبع.

[15]ـ انظر: فتح الباري. ج8. ص418

[16]ـ شرح صحيح مسلم. ج15. ص141