في فقه الحديث


المرء مع من أحب


يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحب" أخرجه مسلم

يحلو لكثير من صغار العقول أن يطالبوك بأن لا تحبَّ إلا من يُحبّون هم، تحت تهديد هذا الحديث. فكلما أبديتَ موقفاً في تأييد شخص يخالف حمقهم، قالوا لك: هل تقبل أن يحشرك الله معه؟

لهذا يجب التنبيه على الآتي:

1: صحيح أن الحديث يتحدث عن الحشر يوم القيامة، لكنه ليس على ظاهره، وإنما معناه الحقيقي هو: أنك إذا أيدت الظالم على ظلمه، وأنت تعلم أنه ظالم، فأنت تستحق أن تكون معه. أما إذا أيدت ظالما في موقف حق، فأنت تؤيد موقف الحق، ولا يعتبر تأييدك له قبولا بالظلم في مواطن ظلمه.

2: ليس معنى الحديث أن من أحب كافرا حشر معه. فأنت تستطيع أن تحب من الكافر أفعالاً جميلة قام بها. فنحن نحب من أفعال رئيس فرنسا ـ مثلا ـ تأييده لإقامة الدولة الفلسطينية، ونشكره على ذلك. وهذا لا يتسبب لنا بأن ندخل النار معه حين يدخلها.

3: لقد عاشر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ جاريته مارية القبطية، ونحن لا نشك أنه كان يخاطبها بعبارات الحب، التي يخاطب بها الرجل المرأة. فهل كان معنى ذلك أنه سوف يُحشر معها؟ أم اخترعتم لأنفسكم رسولاَ  وهابياً غير محمد بن عبد الله؟

4: كما عاشر جاريته ريحانة بنت زيد النضرية، قبل أن تسلم وبعد أن أسلمت، فهل كان يعاشرها طوال سنوات قبل إسلامها ثم لا يخاطبها بعبارات الحب؟ يبدو بالفعل أنكم تخترعون لأنفسكم رسولاً غير محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلمّ

5ـ وكان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بلا شك، يحب عمه أبا طالب. وقد مات أبو طالب كافراً، فلن يُحشر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ معه في النار بالتأكيد. أم تقترحون على الرسول أن يتعلم لديكم علم الحديث وشرحه الممقوت الذي تعلمونه، أيها الحمقى!

6ـ وكان المطعم بن عدي، من كبار كفار مكة، فلما منع الكفارُ الرسولَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ من دخول مكة، بعد عودته من الطائف، جمع أبناءه وألبسهم السلاح، وطافوا في جوانب مكة، يعلنون أن محمداً سيدخل مكة، شاء من شاء وأبى من أبى. فلما انتصر المسلمون في بدر، نظر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الأسرى المشركين، وقال: لو كان المطعم حيا ثم سألني في هؤلاء لأعطيتهم إياه. فقد أحبه الرسول بلا شك لأعماله الجميلة، ولن يدخل معه النار لأنه مات على الكفر. أم لعلكم تقترحون على الرسول أن يدخله الجنة ليتمتع بحبه؟

7: لم يصح لدينا نص في إسلام ماريا القبطية، ولا أبي طالب؛ فهل تقترحون على رسول الله أن يُحشر معهما والمطعم؟

8: وحتى لو قبلنا كل زعم بإسلامهما، فلا شك أنهما لن يكونا في نفس منزلة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولن ينزل الرسول إلى منزلة أي منهما، حتى لو كانا في الجنة، لمجرد أنه أحبهما. 

9: لكل هذا، فإنني أشجب الفهم الحسير للمتدينين الجدد حين يشهرون في وجونا حديثا لا يفهمون معناه.

10: وإنما المعنى الحقيقي للحديث هو: أن من أحب شخصا لعمله، كان حريّاً به أن يكون معه في المصير: فإن أحببت ظالما لظلمه، فسوف تكون معه، وإن أحببت ظالما لعدله في موطن ما، فلن تكون معه، لأنك إنما أحببت عمل الخير الذي حدث منه.

11: والنتيجة أن معنى "أنت مع ما تحب" (من الأعمال) لا من الأشخاص. فإذا كنت مؤيداً لمن يقتل الناس لقتله الناس، فسوف تكون مع قاتل الناس. وإن كنت مؤيدا لوزير سارق، لأنه يسرق، فسوف تُحشر مع السارقين. وإن كنت مع عضو مجلس تشريعي كذب على الله والناس، لأنه كذب على الله والناس، فسوف تُحشر مع الذين يكذبون على الله والناس...