قصيدة حب لكل الضحايا

    


مرج الزهور. جنوب لبنان. 1993

  



غريبٌ يئنّ فيبكي الحجرْ


وتخشع كل صخور الجنوب


تطامنُ من كبرياء القممْ..


تكفّ الطيور عن الطيران


وتأوي إلى العش قبل المساء


تميل الجبال


قليلاً قليلاً


لتفتح باباً بدرب الأنين


لصوت الغريبْ.


 

***


 

غريبٌ ينادي زمان الصخور


تلبي النداءَ خطوطُ الأفقْ


وينساب نحو الجنوب الصدى


وينقضّ صقرٌ على رأس أفعى


ويهوي شهابٌ على عينِ تنّينِ أرضِ القمرْ


ويعلو الهلال


ويبدأ عيد


ويولد في كل بيت وليدْ.



*** 


 

غريبٌ كعشب البراري يغني


فيورق ورد


وتزهو ثمار


وتعلو غصون


ويمتد جذرٌ


عميقاً عميقاً


خلال الصخور


وينسغ شهد


ويعلو شهيدْ.



***  


غريبٌ يناجي نسيم الجنوب


فتبكي البقايا


هناك هناك


بقلب المخيمْ


وتهتف أمُ ونارٌ وعندمْ:


بنيَّ، يعود قريباً أبوك، فنم يا حبيبي


فما عاد ثديي يفيض حليباً


وما عاد قلبي يفيض زنابقْ


بصدري دماء


بحلقي دماء


بعيني دماء


وقلبي حرائقْ.



***  


غريبٌ يصلي


فيخشع كونٌ


ويهطل طلٌّ


ويعبق عطرٌ


وتزهر كل الشقائقْ


وأكثر أكثر


تنمو السنابلْ


ويبرق في الجو نور الحقائقْ


ويهبط كل أهالي السماء


ويعلو النشيدْ.



***  


غريبٌ تقمّص روحه


تعجل موته


وألغى جروحه


وحيداً وحيداً


يسافر بين حبال المشانقْ


يصادق أرض الجنوب


وحد الخناجر


دون الخلائقْ


يصلي جنوباً


يغني جنوباً


ويرسل في كل فجر


جنوباً


كتاب انتماءْ



***  


غريبٌ طريدٌ


ينام حزيناً


يمد ذراعاً


يضم إليه ضلوع المدى


ويلهو وحيداً برسم الصور:


فهذا ولدْ


وهذي بنيةْ


وهذي كرةْ


وهذي مراييلُ تلك المدارسْ


وهذي أراجيحُ بين الشجرْ


وهذي بلالينُ تغزو الفضاءْ


وهذي رفيقة درب السفرْ


تخط الرسائلْ


فتبكي العيون


وتبكي الحروف


تبكي المراييلُ


تبكي الأراجيحُ


تبكي البلالينُ


يبكي الشجرْ..


وتبكي النجوم بعين البنيةْ


ويستمسك الطفل بالبندقيةْ


ويبكي التراب بأرض القداسات


يهتف: خذني بكفك


خذني حجرْ.



***  


غريبٌ تفجر حباً وعشقا


غريبٌ يغازل أنثى الحمامْ


يقول الغريب: إليك السلام


وكل اعتذاري


إليك السلام


وصوت انفجاري


فمنك اقتداري


ومنك انتصاري


وأنت البقيةْ


 

وماذا أقول


وأنت الوصيةْ


 

إليك اعتذاري


وعدتك حباً وشعراً


وحلماً يضيء الطريقْ


فطال الطريقْ


وخان الصديقْ


 

فماذا أقول إذا حل عيد؟


ففي العيد حلوى


وفي العيد ذكرى..


وحلواي أنت


وذكراي أنت


وأنت المكان


وأنت الزمان


وكل الثواني وكل الدقائقْ..


 

وماذا أقول


وأنت المرايا؟


 

وماذا أقول


وماذا سأرسل؟


ومع من سأرسل؟


أأرسل في النهر طاقة دفلى


وبعض الشظايا؟


 

إليك اعتذاري


ودمع انتظاري


ولفحة ناري


وآه الغناء


وزفر القوافي


وفيح القصيدْ..


 

سأبني القصور


وأزرع في كل شبر حياة


برغم الجماجم


فوق القبورْ


وأكتب في كل دفتر شعر


قصيدة حب لكل الضحايا


وأعلن أن الرجوع محتمْ..


 

ستهوي بأرض الجنوب العواصم


قريباً قريبا


وتحيا بقلبي


وقلب الجنوب


زهور السلام.