آخر الكلام




  


غزة. سجن غزة المركزي. 30/12/1992


مع صدور أول قرار نفي






 

ليلٌ وخطواتٌ وهمسْ..


ليلٌ وبصطارٌ وأصواتٌ وجيش من ظلامْ..


ليلٌ يدق الأرض والأبواب والجدران والأشياء


يعوي مثل إعصارٍ


ينادينا: افتحوا


جيشٌ..


وهمس رفيقتي: جاؤوا


فأشعر بالبرودة في شراييني وأوصالي


وقيء الأرضِ يملأ حلقيَ المعقودَ


هل جاؤوا على غير انتظارْ!..


ليلٌ يدق العظم


يعوي صارخاً: هيا افتحوا


من قبل أن تهوي السماء.. 


ورفيقتي تبكي


تودعني


تشجعني


تشد على يديّ


وحولها رفّ الحمامْ

ليلٌ يدق الأرض


يدعوني لفتح الباب


فورا..


وبنيتي تبكي


تناديني


وأقدامي تحيّرني


وأفواه البنادق تحسم الموضوع


تتخذ القرارْ.. 


ــ هيا تقدم للأمامْ..


هيا تقدم يا ابن هذا النهر من نورٍ


تريد إقامة الأرض الحرام!.. 


ــ في القلب قائمة بلادي


قبل أن تأتوا إليّ..


ــ في القلب قائمة بلادي


إنما أسعى لكي


ينزاح هذا الليل عن قلبي


ليثمر برتقالاً أحمر الوجناتِ


زيتوناً ورماناً يفجر كل هذا الليل


يصنع من شظايا العهر ذكرى..


نارٌ مذاق القيد من نفط الزناة على يديّ..


قطعت شرايين القيودُ


وأنت تعصر كي أقول الآه


لكن لا تنازلْ..


كسرت هراوتك الثقيلة عظم أولادي


ولكن لا تنازلْ..


وسرقت من شمس الحياة سنين أخرى


وملأت هذي الأرض قهرا..


أتريد خلع جذورنا من أرضِ آباءٍ كرامْ!..


أهلاً وسهلاً


أيها الداعي إلى صنع السلامْ!..


أو قد ملأت الأرض قتلاً


ثم تسأل: كيف يمكن أن يكون القتل أعجلْ!..


عشرين ألف شجيرة من برتقال في الدقيقة


كل يوم من بساتيني تدمر


ثم تزرع غرقداً، شوكاً، وشذاذاً، وأقبيةً


تغير كل أسماء البلاد


تقيم في الصحراء (أنصاراً)


وفي الأحياء (صبرا)!..


أهلاً وسهلاً


أيها المولود من بطن الخرافة


هل ستقتل كل هذا البحر حولك؟


قسماً بأنك لن تنام


ولن ينام البحر مثلكْ


اقرأ كتابك والنبوءات القديمة


ثم قل لي: هل ترى بحر الدماءْ؟


الآن تسبح فيه، أنت صنعته


أغرقت فيه الأنبياءْ


وتريد تخرج منه يوماً باسم كل الأنبياءْ!


اقرأ كتابك


قد لُعنتَ، وقد طُردتَ، على لسان الأنبياءْ


وتريد باسم الأنبياء بناء هيكلْ!


وتريد باسم الكتْب إحراق المواشي في أريحا والجليلِ


صنعت (ديمونا)


وتدعو للتعايشِ


دعك من هذا


فإن القتل أفضلْ!


انشر شراعك في بحار دمائنا


فلسوف ترحلْ


قسماً بأنك سوف ترحلْ


حتى ولو حصّنتَ نفسك في سماء من حديدٍ


سوف ترحلْ


حتى ولو سقط الشهيد على الشهيدِ


بكل شبر من بلادي


سوف ترحلْ.


فرحيل مثلك عن بلادي سورة قدسيةٌ


لا زلت أتلوها بقرآني


وأنت قرأتها في كل أسفار العهودِ


فكيف يمكن أن تظن بأن نفي هواء أجوائي


وقلع جذور أولادي


وتجفيف البحار بكل شبر من بلادي


واقتلاع الصخرة الشماء من قدسي


أمور قد تكون!..


فمن تكون!..


فأنت غازٍ مثل من سبقوك قبلكْ..


وطني الحبيب فداك عمري


هل سأُخلَع منك،


إن الموت أسهل..


وطني الحبيب، إذا ذُكرتَ


هفتْ قلوب العالمين إليك في كل البقاع..


وطني الحبيب


تبارك الرمل


الجبال


الصخر


والوديان


والطين الذي جبلته أجيالٌ بنزف دمائها


والجو


والصفصاف


والزيتون


والأقصى المبارك..


كيف يمكن أن أعيش بدون يافا!..


كيف يمكن أن أعيش بدون بحر قد درجتُ على شواطئه صغيراً


وافترشتُ رماله


ودفنت فيها كل جسمي!..


كيف يمكن أن أعيش؟..


ألستُ منك، إليك!

هل أرنو إليك مكبلاً تدعو (النشامى)


ثم لا ألقي بنفسي في الصراعْ!..


وطني


وأنت جزيرة الأحرار


في هذي البحارْ


وطني


تعلّم كل أهل الأرض منك بكل فخرٍ


كيف يمكن أن تصارع وردة جوريّة أنياب أفعى..

وطني


وأنت


إليك


بعد الله


أسعى..


سأظل أسعى هائماً حول الحدود إليك أرنو..


وإليك أدنو دائماً


وأظل أدنو


حتى أعودْ..


إني أشك بمن يظن بأن أرضي لن تعودْ.