دفاعاً عن أبي الأنبياء

 


هذه صفات أبي الأنبياء إبراهيم في القرآن:


1ــ هو صاحب الملة الآخرة وبملته سمانا الله: 

"وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِين" البقرة/130


2ـ وكل من يقول غير ذلك فقد افترى على الله بغير علم: 

"أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون" البقرة/140


3ـ ومما لا شك فيه أن أبا الأنبياء عليه السلام كان شديد الشجاعة يواجه الحاكم ويحاججه بقوة: 

"أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين" البقرة/258


4ـ ولم يكن يهوديا ولا نصرانيا، بل كان مسلما يؤسس الله به لخاتم الرسالات: 

"يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ* هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِين" آل عمران/67


5ـ من هنا فليس لأحد من أبناء إبراهيم من فضيلة على الآخر إلا باتباعه، مع التأكيد على أن محمداً صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه هم هؤلاء: 

"إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِين" آل عمران/68


6ـ والأمر بالاقتداء به موصول ومستمر، ومن اختار غير ذلك، عد مشركاً بالله: 

"قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِين" آل عمران/95


7ـ وذلك لأن متبعيه الحقيقيين هم الذين اختاروا الأفضل على الإطلاق، فلا نسب ولا خيرية إلا باتباعه، باعتباره مصطفى من الله، خليلا له سبحانه: 

"وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا" النساء/125


8ـ ولقد كانت رحلته مع الإيمان رحلة الباحث عن الحقيقة، الذي يستخدم عقله ليقارن بين ما يقال إنه حقيقة، وبين الحقيقة نفسها كما هي في واقع الوجود: 

"وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ* فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ* فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنْ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ* فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَر" الأنعام/75 ــ 77


9ـ فلما اكتشف الحقيقة لم يحد عنها، ولم يستبدلها بأي عادة من العادات، مهما كانت قوة قهرها: 

"فلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ* إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِين" الأنعام/78 ــ 79


10ـ وخاض مع قومه الوثنيين نقاشاً استخدم فيه العقل ليهيدهم، ويبين ضلالاتهم: 

"وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ* وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُون" الأنعام/80 ــ 81


11ـ وصدقه الله، وقطع به حجج خصومه فأسكتهم، وأعلن التنزيل أنه قد هدي إلى الحق: 

"الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ* وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيم" الأنعام/82 ــ 83


12ـ وقد صدق إبراهيم عهده مع الله فلم يحنث بالعهد أبداً، حتى حين بدا له الوفاء صعباً: 

"وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيم" التوبة/114


13ـ ورغم وفائه بالعهد، إلا أنه لم ير ذلك مانعاً إياه من محاولة بذل كل المستطاع لإنقاذ الهالكين، ومنحهم فرصة أخرى، إلى درجة أن أحب الله منه هذا الخلق الرضيّ، وسماه به حليما أواها منيبا: 

"وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ* فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ* وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَقَ يَعْقُوبَ* قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ* قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ* فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ* إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيب" هود/69 ــ 75


14 ـ ولولا أمر الله النافذ لواصل الحليم الأواه المنيب الاستغفار للمشركين: 

"يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُود" هود/76


15ـ ولقد واصل طريقه هذا حتى النهاية، وتحدى كل القاهرين المتسلطين وحده، في أغلب الأحيان، فاستحق أن يكون أمة وحده، لا يشبهه شيء، ولا يشبه شيئاً: 

"إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ* وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِين" النحل/120 ــ 122


16ـ من هنا فقد وجب على كل نبي يأتي من بعده ـ خصوصاً محمد صلى الله عليه وسلم ـ أن يتبع طريقه ودينه وملته: 

"ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِين" النحل/123


17ـ وهذا الهدى، بعد هذا الوحي والاصطفاء جعله مثالاً للشجاعة في مواجهة الباطل في عقر داره، وفي كامل زينته، لا ترهبه في ذلك النار المستعرة التي يراها معدة له، بل يستغل كل هذا الرعب واللهب لعرض دعوته على الناس في مواجهة الطاغوت: 

"قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ* قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ* فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمْ الظَّالِمُونَ* ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ* قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ* أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ* قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ* قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ* وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمْ الأَخْسَرِين" الأنبياء/62 ــ 70


18ـ لذا فقد كان من أجمل ما سمانا به أبونا أن أطلق علينا ـ في الغيب ـ وصف المسلمين: 

"هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاس" الحج/78


19ـ هكذا يقرر القرآن الحقيقة الأبدية، القائلة بأن تحدي أبي الأنبياء للباطل، لا يشبههه في قوته أي تحد بشري آخر يقوم به غير كبار الأنبياء:

"قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ* أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الأَقْدَمُونَ* فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِين" الشعراء/75 ــ 77


20ـ وان حبه لله لا يوازيه حب أحد لله سوى الأنبياء العظام، إلى درجة أن لم يعد في وسع قلبه أن يتسع لغير حب الله وحده. ودليل ذلك أن الله حين أن أمره بذبح ولده الوحيد ـ الذي جاءه على الكبر، ولا يتوقع الإنجاب من بعده ـ لم يسأل ولم يتردد، بل ذبحه فورا، لولا أن الله فدى الذبيح رحمة بأبيه الصادق المصدوق الذي لا يعرف الكذب مطلقاً: 

"فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ* وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ* وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ* سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ* كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين" الصافات103 ــ 110


21ــ هذا هو الابتلاء بالصدق مهما بلغ الثمن من روح أو ولد او وطن، وهذا هو ما جعله للناس إماماً إلى يوم القيامة: 

"وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين" ص/124


22ـ هكذا كان إبراهيم في القرآن، مثال التحدي: 

"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ* إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِين" الزخرف/27


23ـ ومثال الوفاء:

"وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى" النجم/37


24ـ ومثال المواجهة: 

"قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير" الممتحنة/4


25ـ ومثال الصدق، الذي لا تشوبه شائبة من كذب:

"وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّا" مريم/41


ويبدو أن كل هذا البيان القرآني التفصيلي لم يعجب المعتوهين من سلفيي الوعي، الذين يصدقون رواية البخاري التي تقول بأن إبراهيم قال لسارة حين دعاها فرعون لمقابلته: "لقد قلت له أنك أختي، فلا تكذبيني عنده".


أفبعد كل ما يقوله القرآن، يأتينا من يتبنى رواية من غيروا الكتب السماوية، ونسبوا الكذب إلى الأنبياء؟ أفبعد كل هذا من الممكن لنا أن نصدق الرواية التوراتية، التي تسللت إلى صحيح البخاري، منسوبة زوراً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن إبراهيم خشي من فرعون، وخاطر بشرف زوجته، لكي لا يتعرض للموت؟ سبحانك هذا بهتان عظيم!..


ولولا أن هناك أقواماً يصدقون القدماء أكثر مما يصدقون القرآن وعقولهم، لاكتفيت بكل ما أوردته هنا، وإن فيه لبلاغاً إن شاء الله. لكن ما الحيلة في العقول التي تعشق قالوا أكثر مما تؤمن بالمنطق؟ لذا فهأنذا أنقل إليهم ما قاله أحد كبار عظماء الماضين، في الدفاع عن شرف أبي الأنبياء عليه السلام، بدحض رواية البخاري. قال الفخر الرازي رحمه الله، في تفسير سورة الأنبياء، معلقاً على حديث البخاري هذا:


"فلأن يضاف الكذب إلى رواته، أولى من أن يُضاف إلى الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام... وإذا أمكن حمل الكلام على ظاهره، من غير نسبة الكذب إلى الأنبياء، عليهم السلام، فحينئذ لا يحكم عليهم بالكذب إلا زنديق"([1]).


وقال في تفسير سورة الصافات، في التعليق على نفس الحديث: "لما وقع التعارض بين نسبة الكذب إلى الراوي وبين نسبته إلى الخليل عليه السلام، كان من المعلوم بالضرورة أن نسبته إلى الراوي أولى"([2]).  


 

[1]ـ تفسير الفخر الرازي. مفاتيح الغيب. ط1. ج26. بيروت. دار الفكر. 1981. ص186

[2]ـ تفسير الفخر الرازي. المصدر السابق. ج26. ص148