• سياسة
  • 2380 قراءة
  • 13:07 - 01 مارس, 2015


العرب وفلسطين

 

ثم ماذا؟



 

ماذا يحدث في هذا الجزء من العالم؟ 


العراق ينقسم إلى دول، لا تكفي فيه العناوين التقليدية، بل لا بد من جديد: داعش، الأكراد، السنة، الشيعة، النصرة، السلف، الحدود...


سوريا يتم تبديد جيشها، وإشغاله عن مهمته التي خُلق من أجلها، الجيش الحر سيكتشف له مهمة مختلفة، داعش تكتشف مهمة غير ذلك، جبهة النصرة تحرس الجولان...


مصر يضربها الإرهاب، وتحاول قواه العالمية أن تسحب جيشها إلى ساحات جانبية، ليتمكن اللاعبون (الأصليون) من الانفراد بالوطن. ليبيا، سيناء، وربما كذلك غزة..


السودان ينقسم إلى سودانين، في انتظار دارفور، والحبل على الجرار..


السعودية ليست مؤجلة ــ وإن كان بعض السعوديين يظن ذلك ــ فدورها في مرحلة قادمة: الأقليات الشرقية، والخلافات على الجنوب... وربما يطرأ جديد ثالث...


يبدو أنه لا وقت لدولة مركزية في المنطقة العربية، من منظور المخطط الاستراتيجي الدولي. وإسرائيل هي الرابح الأكبر من كل هذا التفتيت المرصود.


داعش لا يبدو عليها أنها تعادي إسرائيل، مما يقتضي القول بأن ضربها كان نتيجة خروجها على الحدود المرسومة فحسب.


جماعة النصرة كذلك، لكنها تعرف حدودها، وتقوم بواجبها على الجولان بصورة جيدة، فيما يواصل المؤتمر الوطني وجيشه (الحر) التأكيد على أنه لا يعادي إسرائيل.


إرهابيو سيناء يؤدون واجبهم...


وفوق هذا، عالمُ دين كبير يدعو أمريكا لغزو سوريا ومصر...


المركز (مصر) مهددٌ، فيما يتم التركيز على دول صغيرة ذيلية، لتحل مكانه ــ قطر على سبيل المثال ــ فماذا يجري؟ هل هو إعادة ترسيم للخارطة الجيوسياسية في المنطقة؟ 


إن رأس مصر المقطوعة هو المراد بالتأكيد، فيما دعاة الإسلام السياسي ضالعون في ذلك.


القضية الفلسطينية لم تعد ــ في هذا الخضم ــ القضية المركزية للأمة. لقد تراجع دور فلسطين حينما تراجع دور مصر. يمكن رصد بداية ذلك منذ كامب ديفيد، الذي حول مصر من طرف أصيل في الصراع على فلسطين، إلى طرف وسيط، غير نزيه في كثير من الأحيان.


الفلسطينيون في هذه المرحلة ليسوا مجرد وحيدين ومحاصرين ومنقسمين، بل حائرين كذلك: إن تحركوا ضُربوا، وإن صمتوا ضُربوا، وإن قبلوا رفض الخصم، وإن رفضوا قبل الخصم، فإن عادوا إلى قبول ما كانوا رفضوه؛ تراجع الخصم عما كان قد عرضه في السابق...


في هذا العالم العربي ــ الذي لم يعد عربياً ــ يتحول الفلسطيني إلى يهودي تائه، بين أشقائه العرب، أو من يُفتَرَضُ أنهم أشقاؤه العرب..


في رام الله سلطة تحاول الحصول على دولة بالمفاوضات، مع عدو لا يقبل بأقل من الكعكة كاملة.


وفي غزة سلطة دينية تستلهم ماضياً لا حاضر له، وإن استُحضر لم يعد مناسباً، وتختلق أحلاماً أكبر من دولة بحجم أمريكا.


لم تستفد سلطة رام الله من أخطاء الماضي، الذي أنتج لها سلطة حماس؛


وفي المقابل، لم تستطع حماس أن تكون شفافة كما وعدت، عادلة كما أقسمت، زاهدة كما أعلنت...


يبدو أن كثيرين من سياسيي الشعب الفلسطيني، يتخلون عن شعبهم، لصالح خلاصهم الفردي الخاص!.


تلكم بعض جوانب المأساة الفلسطينية.


لكن، ثم ماذا بعد؟


هل يمكن أن ينجح الفلسطينيون ــ وحدهم ــ في تحرير وطنهم؟


سؤال ينجب سؤالاً أحد إحراجاً: هل كان الفلسطينيون هم من أضاع فلسطين؟ هل (الجيش الفلسطيني) هو الذي انسحب من غزة والضفة والقدس وفلسطين التاريخية، أم أنها الجيوش العربية، التي يعلن قادتها تخليهم عن استعادتها؟


لكن البديل مستحيل كذلك: لن يستطيع الفلسطينيون أن يحرروا أرضهم وحدهم. التاريخ يقول ذلك، موازين القوى تقول ذلك... العالم المعاصر منحاز لصالح ألا يحدث ذلك. إذن فلن تتحرر فلسطين إلا بجهد عربي مشترك ــ براﭬو، يبدو أننا اكتشفنا ما تم اكتشافه من قبل ــ ولن يحدث جهد عربي مشترك إلا بعد أن تقوم قيامة العرب. وقيامة العرب يبدو أنها ما تزال مؤجلة.


كثيراً ما يسألني صحفي عربي عن رد الفلسطينيين، على كل هذا الانتهاك الإسرائيلي للاتفاقات الموقعة ــ بضمانة عربية ــ لينكأ الجرح من جديد! وكأن لا علاقة للعرب بفلسطين! حتى أخرجني أحدهم من عن طوري ــ ذات نفس السؤال ــ فرددت بأن الرئيس الفلسطيني عباس سوف يحرك الدبابات لتقصف المعتدين!


أمة عربية ضللها إعلامُ حكامٍ عرب، بثوا في صدور مواطنيهم، معلوماتٍ خاطئةً عن حقيقة ضياع فلسطين، حتى اضطروا إلى اتهام الفلسطينيين بذلك، في محاولتهم إلقاء عبء هزيمتهم على شعبٍ، سبق لهم أن نزعوا سلاحه، ثم هربوا وتركوه أعزل وحيداً!..


لا بد من الاعتراف بالمرض. لا بد أن يعترف العرب بأنهم متخلفون، مهزومون، غير شفافين، حكوماتهم ديكتاتورية، وحكامهم قتلة ينهبون ثروات شعوبهم.. هل هؤلاء مؤهلون للتحرير؟


أما الفلسطينيون الآن، فيبدو أن قسماً كبيراً منهم لم يعد مؤمناً بأن قضيته الأساس هي تحرير فلسطين، في انتظار إقامة الخلافة، التي لن تقوم.


يبدو لي أن عدداً من الفلسطينيين أمميون أكثر من كونهم فلسطينيين! وهذا جزء آخر من المشكلة.


ثم ماذا بعد مرة أخرى،


العالم العربي يتفتت... هذا صحيح، وقد حدث هذا من قبل.


فلسطين ضائعة.. هذا صحيح، وقد حدث مثل ذلك من قبل.


لكن ما لم يحدث في السابق، يُراد له أن يحدث الآن: أن يتفتت المركز، مصر. مصر التي طالما استعادت وحدة المفتت، واستعادت كل ما ضاع، بما في ذلك فلسطين. فهل يفكر أعداء فلسطين ــ وحلفاؤهم الداخليون ــ أنه لا بد من وأد هذا الأمل، لكي تنتهي مسيرة التاريخ؟


أرجو ألا يساهم فلسطينيٌ في ذلك، باسم الإسلام.


إن ضاعت فلسطين يتبقى الأمل في عودتها، ذات قيامة عربية موعودة. أما إن ضاعت مصر، فلا فلسطين بعد اليوم. فهل يفهم ذلك دعاةُ الإسلام السياسي؟ لا أظن ذلك، إن لم يكن الأمر أسوأ من ذلك.