اللهم إنني متعصب


في علاقة القرآن بالسنة



  

أولاً: في حجية السنة:


إن إنكار صلاحية حديث الآحاد للاحتجاج به مطلقاً، هو في الحقيقة إنكار لصلاحية السنة للاحتجاج بها. ذلك لأن لا وجود تقريباً لغير أحاديث الآحاد. وقد بينا سابقاً بأن لا وجود للحديث المتواتر عملياً.


تلكم هي الحقيقة. ولمن أراد من منكري صلاحية حديث الآحاد للاحتجاج به، أن يزودني بنصوص من الأحاديث المتواترة التي يقبل بأن يحتج بها، لأن ميدان القول غير ميدان التطبيق.


لكن يجب قبل كل شيء منع أن يتكلم في هذا العلم من لم يدرسه، فقد رأيت من يزعمون تواتر نصوص ليست متواترة، لا لشيء إلا لأنهم لم يعلموا ما هو التواتر في الحقيقة.


أما أنا فأقبل حديث الآحاد في الأحكام الشرعية، أي في الفروع، ولا أحتج به في العقائد، أي الأصول.


فما كان ميدانه الحلال والحرام والترغيب والترهيب، أقبل فيه حديث الآحاد، لأنه من الفروع.


واما ما كان في حقيقة صفات الله، والجنة والميزان والملائكة... فلا أقبل فيه حديث الآحاد، إلا بعد أن أعرضه على ظاهر القرآن. وحين أعرضه على القرآن يكون ذلك مجرد تفسير ظني لكلام الله فحسب.


ثانياً: في التناقض:


حين ينكر أحد ما حجية حديث الآحاد، ثم يلجأ إلى الاحتجاج به، لإثبات نزول القرآن على سبعة أحرف، فإنه يكون قد خرج على قوانين الاستدلال. إذ كيف يستدل شخص بما يراه غير صالح للاستدلال منذ الأصل؟


ثم كيف يمكن أن يحتج ــ بما لا حجة فيه ــ على إثبات رأيه في القرآن المتواتر؟ أيمكن أن يحتج بما لا حجة فيه على المقطوع ثبوته، إلا أن يكون المحتج في الأصل متشككاً في ثبوت المقطوع ثبوته؟


إذا أثبتنا حديث نزول القرآن على أحرف سبعة، فقد احتججنا بحديث آحاد. فكيف إذا مضينا نجادل في تفسير الحروف السبعة برأينا، لنقيم الحجة على أن القرآن نزل بحرف واحد، وأن الحروف الستة الأخرى لم يقرأ بها الرسول، بل قرأ بها الصحابة من القبائل، ووافق على قراءتهم الرسول؟


ألا يعني هذا أن ما قرأه الصحابة كان مجرد معنى القرآن، لا القرآن ذاته؟


فإذا قلنا بذلك، فقد خرجنا من ملة الإسلام، بإجماع السلف والخلف من السنة والشيعة والخوارج.


إن هذه النتيجة الخاطئة، إنما تحصلت من المقدمة الخاطئة الأولى، القائلة بصحة الاحتجاج على القرآن بحديث الآحاد، ومن ثم الذهاب إلى تفسير معنى ذلك بطريقة منطقية.


لا يمكن منطقيا الانطلاق من المقدمة الخاطئة، ثم مواصلة النقاش، لأن النتائج سوف تكون كارثية، كما حدث مع صديقي الذي تساءل في نهاية استدلالاته ــ التي لا استدلال فيها ــ قائلاً: إذا كان الرسول قد قبل قراءات الصحابة التي لم يقرأ بها، للتسهيل على الناس في فهم التنزيل، فلم لا نقول بأن من الممكن أن نقرأ القرآن بلغات أخرى لمسلمين لا يتكلمون العربية؟


لكان الرجل في حماسته نسي قوله تعالى: إنا أنزلناه قرآنا عربيا


أو لعله لا يحب هذا النص، أو يقرأه بطريقة مختلفة!


ثالثاً: في النتائج:


لا يمكن القبول بالحكم على صحة نصوص القرآن ــ القطعية ــ بنصوص السنة الظنية (الآحاد).


من هنا فلقد يسعنا القبول بأن هذ القرآن نزل كما نراه، بقراءاته هذه التي وصلتنا، دون تفاصيل. لأن التفاصيل كلها ظنية الثبوت.


بمعنى أننا سنكتفي بالإيمان بأن هذا القرآن كما هو بين أيدينا من عند الله، دون أن يلهينا البحث في تفسير حديث نبوي، عن حقيقة ثبوت النص القرآني.


وأخيراً:


هل يحق لي أن أغضب فيما لو سمعت أناسا متعلمين ــ غير دارسين ــ يخوضون في حديث لا يملكون أدواته، ثم يطلبون مني القبول بقولهم، بذريعة حرية الرأي؟


لا أظن أني بلغت من حرية الرأي إلى هذه الدرجة، فما أنا في نهاية المطاف سوى مسلم يقدس القرآن ويغضب له. ولمن شاء أن يسمي ذلك تعصباً.


اللهم إنني متعصب.