• سياسة
  • 2639 قراءة
  • 03:19 - 08 يونيو, 2015


داعش ومصر وحماس

 

قراءة في نقض الحكم



  

ألغت محكمة الاستئناف المصرية أمس السبت 5/6/2015 قرارا سابقا كانت إحدى المحاكم المصرية قد أصدرته قبل شهور اعتبرت فيه الجناح العسكري لحركة حماس (كتائب القسام) منظمة إرهابية. وقد رحبت حركة حماس بالحكم القضائي المصري الجديد.


فما هي خلفيات هذا الحكم الجديد؟ هي ذي محاولة قراءة ما وراء الخبر:


يظهر بالفعل أن نشاطات تنظيمات الإسلام السياسي في سيناء، قد أصبحت في الآونة الأخيرة، تعاني من إرهاق كبير، بسبب قوة الضربات التي وجهتها أجهزة الدولة المصرية لها. فقد لاحظنا تراجع أخبار الصراع المسلح في سيناء، في الأسابيع الأخيرة: وعلى سبيل المثال يمكن لنا ملاحظة أنه قد مر أكثر من شهر منذ تفجير مركز قسم شرطة العريش، دون أن يطرأ حادث خطير في سيناء.


يجدر بالذكر أن وسائل إعلام مصرية، كانت قد تحدثت منذ مدة عن اتفاق بين الجيش المصري والعديد من قبائل سيناء، يقضي بالتعاون بين الطرفين، في حرب الدولة ضد تنظيمات الإسلام السياسي. مما يعني أننا قد نتمكن في القريب من القول بأن الدولة قد انتصرت في نهاية المطاف.


على صعيد آخر، يُلاحظ أن هناك تطوراً لافتاً على صعيد العلاقة الأمنية مع حماس في غزة. لقد قلنا مراراً من قبل، بأن حماس في غزة مهمة لمصر، كبيدق هام في إدارة الصراع المصري على محوري إسرائيل والإرهاب.


لقد كنا قد استنتجنا في الماضي، بأن الدولة المصرية تريد بقاء حماس عامل قلق لإسرائيل، بنفس القوة التي تريد بها إسرائيل بقاء الإرهاب في سيناء عالم قلق لمصر. لقد وقعت الدولتان اتفاق سلام بارد في كامب ديفيد عام 1978. لكن هذا الاتفاق لم يفعل سوى تحويل الحرب الساخنة على جبهات الجيوش، إلى حروب باردة بالوكالة، بين الدولتين التي ترى كل منهما في الأخرى عدوها الاستراتيجي رغم كل شيء. 


في هذا الصدد يمكن تذكر التدخلات غير اللطيفة من إسرائيل في أثيوبيا، ودورها في تحريض الأثيوبيين والأفارقة ضد مصر، للإضرار بمنابع النيل. كما يمكن لنا أن نتذكر أن غض طرف المصريين عن الأنفاق من غزة إلى سيناء، طوال عهد مبارك، كان يعبر عن رغبة مصر في دعم كل ما يقلق إسرائيل، ولو كان ذلك مؤدياً إلى غضب الإدارة الأمريكية.


إذن فالاستراتيجية المصرية في غزة تتوجه نحو تحقيق هدفين، أو أحدهما، على أقل تقدير:


1ــ أن تبقى غزة عامل قلق يشغل بال الإسرائيليين.


2ــ أن يتعاون حكام غزة مع الدولة المصرية في محاربة الإرهاب.


لقد كانت مصر دوماً هي المقرر الأقوى في العلاقة بينها وبين غزة. وهذا أمر طبيعي. لكن وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في القاهرة، أيام مرسي، بدا كما لو أنه قد قلب المعادلة: إذ رأينا النظام المصري يوشك أن يبدو أكثر حاجة لحماس من حاجة حماس له، خلال الصراع على تثبيت السلطة الإخوانية في مصر.


لا يمكن أن تغادر الأشياء طبيعتها ثم تكون النتائج طبيعية. وهكذا حدث في علاقة الدولة المصرية مع حماس. هل نحن بهذا نقرر تصديق ما تناقلته وسائل الإعلام المصرية، من دعم عناصر عسكرية حمساوية لإخوان مصر طوال هذا الصراع؟


لا يهم إن صدقنا أو كذبنا، فالهام في إدارة الصراعات هو ما يظنه طرفا الصراع. فأما الدولة المصرية، فتعتقد جازمة بأن حماس ليست بريئة من التدخل في الشأن المصري. وعلى هذه الخلفية كان الحكم القضائي المصري السابق، باعتبار حماس حركة إرهابية.


فإذا كان ذلك كذلك، فلم صدر قرار الأمس، من محكمة الأمور المستعجلة بالقاهرة، بقبول استئناف الدولة ضد الحكم السابق، والحكم من ثم برفض اعتبار حماس تنظيماً إرهابياً؟


دعونا نتذكر بأن الحكومة المصرية المحاربة للإخوان ــ والكارهة لاسم حماس ابتداءً ــ هي من طالب بهذا الحكم الجديد من القضاء المصري.


لكن يجب محاولة الغوص فيما وراء ذلك.


 لا أحد يعيش في غزة لا يعرف أن حكومة حماس مصابة بالرعب من تطور قدرات داعش، لا لأن داعش قد خُلقت قوية هكذا، بل لأن داعش هي من بنات أفكار التطرف الإخواني في الأصل. فكل إخواني متشدد، لم يستفد من سلطة حماس، يرى أن حماس قد تحولت من حركة مجاهدة إلى حزب سياسي كافر، يتلاعب بالمال والسلطة، ونسى فلسطين. وهؤلاء الغاضبون الفقراء داخل حماس كثر. وهؤلاء الغاضبون الفقراء كانوا دوماً داخل حماس، الذين يتسمون باسم (جلجلت)، ويشكلون عامل قلق لقيادتها، وينادون بشعارات تشبه شعارات داعش اليوم.


هؤلاء هم جنود داعش اليوم داخل حماس، ويتعاطفون مع فعاليات داعش في سوريا والعراق وليبيا وسيناء. وإذا كانت حماس قد تدخلت حقاً في سيناء لصالح مرسي، فإنها قد فعلت ذلك بأيدي أبنائها هؤلاء.


لكن الأمور قد تغيرت بسقوط مرسي. إذ يبدو أن حماس قد أيقنت أخيراً ــ ومتأخراً ــ بأن عودة مرسي صارت من ضروب المستحيل. لكن (الأبناء العاقين) لحماس صاروا الآن يشكلون خطراً على الأم، ويشعرهم وجودهم بالقرب من حدود (الدولة الإسلامية في ولاية سيناء) بالمزيد من الرغبة في التحدي. وهذا هو ما يفسر شدة القسوة التي تعاملت بها حماس مع كل عنصر ترى أنه داعشي، أو مرشح أن يكون داعشياً من عناصرها. وربما كانت تصفية (يونس الحُنَّر) قبل أيام في الشيخ رضوان إشارة لذلك.


هكذا صار واضحاً أن حماس قد أدركت أخيراً بأن عليها أن تقضي على هؤلاء، قبل أن تصلهم الأمداد البشرية والمادية من سيناء عبر الحدود.


ربما كانت سيناء في الماضي عامل ضغط حمساوي على الجيش المصري، أما الآن فقد صارت حماس تخشى أن يتحول الأمر إلى العكس، وأن تدفع الاستخبارات المصرية داعش من سيناء باتجاه غزة، لتقضي على هذا الجسم المقلق فيها.


هل لوحت الاستخبارات المصرية لحماس بذلك، أم أن حماس قد فهمت ذلك من تلقاء نفسها؟ ليس مهماً، بل المهم هو أن حماس قد وعت الدرس جيداً، وقررت أن تنسق مع المصريين، لضرب داعش على جانبي الحدود.


هكذا تحولت حماس من خصم يضرب مصر، إلى وكيل يقدم الخدمات.


في هذا الإطار يمكن قراءة تحول موقف الحكومة المصرية من حماس.