جنود "لذريق" في وزارة الثقافة


 

نُشرت هذه المادة أول مرة بتاريخ 16/9/2006


 

"قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير" آل عمران/26

 

هكذا هي الدنيا. ودوام الحال من المحال. إذ بإمكانك أن تصحو ذات صباح فتجد نفسك وزيراً، ثم تصحو في صباح آخر ـ لم تكن تتوقعه ـ فترى نفسك عبداً من عباد الله!. كما أن بإمكانك أن تكون رئيس شعبة، ثم تنافق الوزير، وتصوم الاثنين والخميس من كل أسبوع، فيرقيك ـ دفعة واحدة ـ إلى مرتبة مدير عام، ويعين لك سكرتيرة، ثم تقول له: "أحبك في الله". فيقول لك: "أحبك الله الذي أحببتني فيه". ثم يأتي وزير آخر، فتلعن سنسفيل الوزير السابق، وتعلن أنك ملحد يساري متنور مقهور من حكومة المتدينين؛ فيقربك ويعينك رئيس مكتبه، وتسرد له كل مثالب الوزير السابق متطوعاً، وتشكو له الفساد والمحسوبية، فيستبدل لك السكرتيرة بأحسن منها، ويرقيك إلى مرتبة وكيل، مع أنك تعرف أنه يعرف أنك جاهل منافق رديء.


هكذا هي الدنيا هنا. إذ بإمكان وزير أن يتقمص شخصية الخليفة الأموي ويفتح "ديوان المظالم"، فيدخل عليه الموظفون أفواجاً، يشكون إليه إجحاف الوزير السابق، وفساده ومحسوبيته، فيسجل كل ذلك في ملفات ـ يحتاج إليها في ساعة العسرة ـ ثم يتولى فريق منهم وهم فرحون، غير مدركين أنهم في المصيدة وقعوا، وأنهم لم يكونوا سوى بيادق في لعبة شطرنج قذرة، تحركها السياسة، ويغيب عنها الدين.


هكذا هي الدنيا هنا. إذ بإمكانك أن تكون فتحاوياً يحارب الفساد، في حكومة حماس، أو عضواً قيادياً في فدا يوقع على عريضة تطالب رئيس الوزراء ـ المتوقع تكليفه ـ مطالباً بتثبيت الوزير الحمساوي، الذي تشتمه ليل نهار، أو كاتباً في الجبهة الديموقراطية يكتب ضد المقاومة، في مواقع الإسلام النفطي، أو حتى مراسلاً يصوم الاثنين والخميس، ثم يحمل ورقة يطوف بها على المدراء، ليوقعوا، مطالبين بتثبيت وزير معين، ثم لا يجرؤون على الرفض. فأي سخف ـ يملأ ما بين الخافقين ـ يغري موظفين صغاراً بتصور أنفسهم مالكين لسلطة توازي سلطة المجلس التشريعي أو فصائل النضال الفلسطيني!.


ولكن هكذا هو الحال في وزارة الثقافة.


هكذا هي الدنيا هنا. وهكذا هو الحال دائماً، في الدولة الإسلامية وفي الدولة العلمانية: في دولة الفساد وفي دولة الشفافية: في حكومة نالت ثقة الشعب، وفي حكومة تسلطت على الشعب: عند أناس باعوا الإسمنت لجدار الفصل العنصري، وعند أناس يوظفون أقاربهم فور تعيينهم، ويوزعون أموال الشعب الفلسطيني على أنصارهم: عند المقاومين السابقين، وعند المفاوضين الدائمين: عند من يطالب بكل فلسطين، وعند من يطالب بدولة في حدود67: عند رئيس سلطة ضعيف، لا يحسن تنفيذ قرار واحد من قراراته المتكاثرة، وعند رئيس وزراء يظن أنه قد أصبح أمير البلاد، ويأمر المساجد بأن تدعو له، كالخليفة الحاكم بأمر اللهً!..


فأين المفر يا إله السماوات والأرض، وكل هذا البحر من القذارة حولنا، وكل هذه السفن ممزقة أشرعتها، وكل هؤلاء الجنود جبناء ومنافقون ومتحالفون مع "لذريق"؟!.


أين المفر من مجموعة منافقين، يمارسون الإرهاب بحق زملائهم في وزارة الثقافة بغزة، ويطلبون منهم التوقيع على وثيقة، تطالب بتثبيت وزير الثقافة الحالي، في حكومة الوحدة الوطنية، التي قد لا ترى النور؟!. أين المفر من هؤلاء الذين يرهبونك بشبهة ترددك في التوقيع؛ وكل موظف يخشى مما ينتظره إذا ما علم الوزير بأنه رفض التوقيع؟!. أين المفر من جنود لذريق هؤلاء، وهم يملأون ما بين السماء والأرض، ويسممون كل أجواء هذه البلاد المنكوبة بكل سياسييها؟!. ثم أين المفر من وزير تشكو إليه الغبن الواقع عليك (في دولة الإسلام) ثم يترفع حتى عن قراءة الشكوى، لأنه يعتقد أن له ثأراً شخصياً عندك؟!.


سيدي وزير الثقافة،

أطال الله بقاءك في هذه الدنيا، لتتمتع أكثر، وتعمل حسنات أكثر: أنا شديد الرعب مما يمكن أن تفعله بي، وأنا الموظف الصغير، وأنت الكادر في الحزب الذي فاز في الانتخابات النزيهة، بفعل فساد السابقين.


سيدي وزير الثقافة،

أدام الله عزك وعز حزبك: قد يقال لك بأنني أكتب ما يشينك هنا أو في أي مكان آخر، فلا تصدق جنود لذريق؛ ومع ذلك فإنني أعتذر إليك عن كل ما كتبته، إن كان فيه ما تراه شراً؛ وأعتذر إليك عن كل ما سأكتبه، إن كان من الممكن له أن يغضبك من حيث لا أدري، وأعتذر إليك عن كل ما قرأته، وكل ما سأقرأه، إن ظننت أنه سيصوغ ثقافتي بما لا يرضيك؛ وأعتذر إليك من كل حديث نفس يرى فيك شخصاً غير جميل، أو يمكن أن تظن بأنه يمس شخصك الكريم.


سيدي وزير الثقافة،

إنني لا أملك ميليشيا تدافع عني، فاحمني من غضبك، واحمني من شر نفسي، ودبّر لي، فإنني لا أحسن التدبير..


سيدي وزير الثقافة،

أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، وأعدك بصيام الاثنين والخميس وست من شوال وتسعة من ذي الحجة، وعاشوراء وتاسوعاء وخاموساء ورابوعاء وأن أصلي التراويح، وأن أعود إلى تربية لحيتي اقتداء بالسنة المطهرة، وأن أنقب وجه زوجتي رغم أنها ليست جميلة، وأن أعود إلى جماعة المسلمين ـ التي كفرت بها في لحظة خور وقلة عقل ـ وأن أنزل علم فلسطين من فوق بيتي وأرفع الراية الخضراء مكانه ـ فقد علمت متأخراً بأنه راية جاهلية ـ وأن أهتف: "الله أكبر ولله الحمد" في كل مناسبة، وحتى بغير مناسبة، وأن أعترف بأن كل الوزراء الذين سبقوك كانوا فاسدين، وأن ألعن اليوم الذي قررت فيه أن أكون روائياً يزعل الناس الذين هم أقوى منه.. وكفى، حتى لا أصل بك إلى ما لا تقبله لنفسك العظيمة.


سيدي وزير الثقافة،

ملكتَ، فاسجح. وحكمتَ فاقبل ـ بعد كل هذا الاعتذار الواجف ـ قراءة رسالتي، التي أُخبرت أنك رفضت تسلمها. وبما أنهم قالوا قديماً: "إن صاحب الحاجة أرعن"؛ فسألح عليك، وأمني نفسي، وأعيد عرضها، بالطريقة الوحيدة التي أقدر عليها، بعد أن سددت أبوابك في وجهها ووجهي. وهذا هو نصها بالتمام والكمال، بعد حذف اسم الزميل المشكو بحقه، حذراً من الوقوع في مغبة التشهير:


"تحريراً في 13/9/2006

الأخ عطا الله أبو السبح المحترم معالي وزير الثقافة


الموضوع تسجيل احتجاج:


فوجئنا هذا الصباح بقيام ثلة من الموظفين، على رأسهم فلان الفلاني، بمطالبتنا بتوقيع كتاب مرفوع لدولة رئيس الوزراء إسماعيل هنية، يطالب بضرورة بقاء الوزير عطا الله أبو السبح في موقعه وزيراً للثقافة.


وإنني إذ أسجل اعتراضي الكامل، على هذه الطريقة، التي قام فيها موظفون في الوزارة، بممارسة عملية إرهاب وتهديد فكريين بحق زملائهم؛ لأود القول بأنني واثق بأنكم لا تعلمون بهذا الكتاب أصلاً. حيث أنه لا يعقل أن يسمح معاليكم بمثل هذا النوع من التصرفات، التي تهدد الموظفين في لقمة عيشهم، لأن ما يحمله مضمر هذا الكتاب يقضي بأن من لا يوقع عليه، فهو ضد الوزير. ولعمري إن هذا لهو الإرهاب بعينه.


إجراءاتكم ودمتم