الموظف الغلبان والوزير الذي سقط في انتخابات كيسان


  

نُشرت هذه المادة أول مرة بتاريخ 5/2/2007


 

لقد مرت أمم كثيرة من قبلنا بمثل هذا المنعطف، الذي نمر فيه الآن، حيث كان عليها أن تجيب على السؤال الأهم، الذي بد واضحاً أنها لا يمكن أن تتخطاه، فيما لو أرادت لنفسها حياة حرة وكريمة: هل نحن مع حرية الفرد في اختيار النظام الذي يحكمه، أم نحن مع طريقة معينة على الشعب أن يتقبلها، تحت دعاوى وجود طائفة تستطيع أن تختار له، وتقرر عنه، باعتباره لا يعرف مصلحة نفسه؟.


لقد حدثنا التاريخ بأن النصر كان في النهاية لحرية الفرد. ولئن كان على أوروبا أن تدفع ثمناً باهظاً، من دماء أبنائها، لتحقيق حلم الحرية، والانعتاق من وصاية من يزعمون أنفسهم نواباً عن الرب، فليس من الضروري، في مثل حالتنا هنا، أن نعيد التجربة مرة أخرى، وندفع نفس الثمن، قبل الوصول إلى النتيجة الحتمية!. وإلا لكانت شعوب الشرق الأوسط، فعلاً، لا تستطيع الاستفادة من دروس التاريخ.


لقد قررت الديموقراطية حقوقاً للفرد، وأقامت آليات متعددة، تضمن له ممارسة هذه الحقوق. ولئن كان الاحتكام إلى صندوق الانتخابات أحد هذه الآليات، فإن علينا أن نتذكر دوماً، بأن هذه الآلية لا تقف وحدها معلقة في الهواء؛ بل تسندها ممارسات عديدة، منها الحق في الإضراب، والحق في إنشاء المنظمات الأهلية الضاغطة على الحزب الذي فاز بالانتخابات، والحق في انتقاد الحكومة الفائزة في الانتخابات، والمطالبة المستمرة بتوفير لقمة العيش،وعدم تقبل مماطلات الحزب الحاكم وادعاءاته بأنه لا يستطيع توفير الطعام والعمل، لأسباب لا علاقة للفرد بها... بل إن من أهم حقوق المواطن، على الحكومة المنتخبة، توفير الأمن.


فإذا ما فاز حزب في الانتخابات، واعتلى سدة الحكم، فلا يمكن له الامتناع بشكل سافر عن تسديد أجور العاملين في مؤسسات الدولة، حتى ولو لجأ إلى كل أعذار الدنيا الممكنة، لأن هذا من أهم واجباته، وعلى أساسه جاء إلى السلطة، وبدونه لا يستطيع الاستمرار فيها. ولعل من أسخف السخف مطالبة الناس بانتظار أربع سنوات، دون مرتبات، ليتمكن الناس من تغيير هذا الحزب، الذي وصل إلى السلطة عن طريق الانتخابات. لأن هذه الانتخابات سوف تصل عندئذ إلى أناس ماتوا من الجوع، ولا يملكون القوة أو الوسيلة للوصول إلى الصندوق.


وإذا ما فاز حزب في الانتخابات، واعتلى سدة الحكم، فلا يمكن له الامتناع بشكل سافر عن توفير الأمن للناس، ومنع الاعتداء على أبنائهم الذاهبين إلى المدارس. ولعل من أسخف السخف مطالبة الناس بانتظار أربع سنوات، دون أمن، ليتمكن الناس من تغيير هذا الحزب، الذي وصل إلى السلطة عن طريق الانتخابات. لأن هذه الانتخابات سوف تصل عندئذ إلى أناس ماتوا بالرصاص، أو مات أبناؤهم، وصاروا لا يملكون الجرأة للخروج من بيوتهم، والوصول إلى الصندوق.


وإذا ما فاز حزب في الانتخابات، واعتلى سدة الحكم، فلا يمكن له أن يمنع التظاهر ضد الحكومة الحزبية. ولعل من أسخف السخف مطالبة الناس بأن يكمموا أفواههم أربع سنوات كاملة، خوفاً من اتهامهم بالانقلاب على السلطة الشرعية ـ وويل لمن تتهمه سلطة دينية بالانقلاب على الشرعية؛ لأن هذا يعني في عرفها تطبيق حد الحرابة بحقه ـ لأن الانتخابات في هذه الحالة لن تصل إلى الناس البتة، باعتبارهم صاروا متعودين على الخوف والاستسلام للسلطة، التي وصلت عن طريق الصندوق، ثم كسرته للمرة الأخيرة.


لست من الذين يرفضون حكم الله، ولكنني بالتأكيد أرفض حكم الذين يزعمون أنهم وحدهم يعرفون حكمه، ويستقوون به على البسطاء.


لست من الذين يرفضون حكم الله، ولكنني بالتأكيد أرفض منع العقل من الاجتهاد، لصالح تبني أحكام فقهاء اجتهدوا بما يناسب زمانهم، وطلبوا منا أن نجتهد بما يوافق زماننا، فجاءناأقوام ضعفت عقولهم، وكلت عزائمهم، فأنابوا الأموات عنهم في حكمنا، ثم طلبوا منا أن نطيعهم هم. وكلما وقعوا على حكم فيه بعض التيسير نبذوه، وكلما وقعوا على شبهة فيها شدة وتعسير على عباد الله تبنوها، حتى صرنا نسمع بأن تارك الصلاة كافر، رغم أن الجمهور قال بغير ذلك، ثم صرنا نسمع بأن هذه الصلاة ـ التي كان يجب لها أن تعصم دماءنا من سيوفهم ـ لا تصح ولا تعتبر إلا  في المسجد!. وعندما ذهبنا إلى المسجد، اكتشفنا بأننا مجبرون على سماع التهديد بالنار، إذا ما انتخبنا حزباً آخر، أو إذا ما رفضنا تأييد حزبهم في كل دعاويه!. فصرنا نصلي ونحن غير مقتنعين، وصرنا ندعو الله أن يرسل لنا من يخلصنا من شر مثل هذه الصلاة، التي لا تزيدنا إلا بعداً عن الدين، وصرنا نسمع أئمة سخفاء يتهمون آباءنا بالخيانة، لمجرد أنهم لم يسلكوا طريق حزبهم، وعندما واجهناهم ذهبوا إلى النائب العام، وأقسموا على المصحف بأنهم لم يقولوا مثل هذا الكلام العظيم، مطمئنين إلى أن المصلين لن يجرؤوا على الشهادة ضدهم في المحكمة.، ومعتمدين على تأييد حزبهم، الذي اكتفى بسؤالهم فنفوا وصدقهم، عملاً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "فعجبنا له يسأله ويصدقه". وما كان لهذا أن يحدث، لولا اعتقادهم بأن كل من هو خارج عن صفهم، لا يمكن له أن يكون صادقاً، في لحظة من نهار!.


لست من الذين يرفضون حكم الله، ولكن هاتوا لي أناساً يحققون حكم الله بتجرد كامل. ويعطون الحق من أنفسهم ويعترفون بأن من الممكن لهم أن يخطئوا. لكن سبحان الله!. 


أعرف وزيراً ما في دولة (كيسان)، الواقعة بعيداً عن العالم، سقط في الانتخابات البرلمانية وأسقط معه حزبه، الذي كان مقدراً له أن يفوز ـ فقد سبق له أن فاز في الانتخابات المحلية، عندما لم يكن الوزير الذي سيسقط في الانتخابات على رأس قائمته ـ ولكن عين الوزير، الذي سيسقط في الانتخابات ويسقط معه حزبه، كانت على وزارة في (كيسان)، يعتقد أنها لا تليق إلا به، ولا يليق إلا لها، خصوصاً وأن فيها موظفاً عدواً، يريد الوزير، الذي سيسقط في الانتخابات ويسقط معه حزبه، أن يعاقبه على إهانات سابقة. فماذا فعل الوزير الذي سقط في الانتخابات وأسقط حزبه معه؟. لم يلتفت إلى حقيقة أنه الآن صار وزيراً، رغم حقيقة أنه سبق له أن سقط في الانتخابات وأسقط حزبه معه، وأنه لا يليق به أن يتحول إلى مجرد شخص سوقي ـ سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ـ لا يستطيع التواؤم مع ربطة العنق والبذلة الحريرية؛ فكرس كل أيامه للتخلص من هذا "العدو المبين". ولما رد عليه الموظف الغلبان بمقالات توضيحية، اعتبر الوزير، الذي سقط في الانتخابات وأسقط حزبه معه، الأمر إهانة متعمدة، يمكن له أن يسلكها ضمن الإهانات السابقة، التي درج الموظف الغلبان في السابق على توجيهها له، وصار الوزير الذي سقط في الانتخابات وأسقط حزبه معه، يشعر بأنه الآن مدين لله وللتاريخ بردها إليه، قبل أن تتغير الحكومة ويفوت عليه الفوت.


فماذا فعل الوزير الذي سقط في الانتخابات وأسقط حزبه معه؟.


صار يصور المقالات، ويجمع الناس، وموظفي وزارته، ويقرأها عليهم، فيضحكون في سرهم ويبكون بين يديه، زاعمين أن زميلهم أساء للوزارة لا للوزير. ولما فاض به الشوق، آخر الأمر، ولم يجد في قوسه منزعاً، لجأ إلى محاولة زج حكومة حزبه في مشاكله الخاصة، وقرأ عليهم بعضاً من هذه المقالات محرضاً على اعتبارها إعلان حرب على الحكومة التي هو عضو فيها. يقول صديقي الموظف الغلبان بأنه يبدو أن زملاءه في الحكومة ضحكوا منه وتغامزوا ثم قالوا له بأن عليه أن يحل مشاكله الشخصية بطريقة لا تتسبب في إحراج الحكومة التي لديها من الأمور المحرجة ما يكفي، بل لعل بعضهم أشار إليه من طرف خفي بأن ما يفعله هو تصرف سوقي بامتياز. ولكن على من تقرأ مزاميرك يا دود!. لم يعجب هذا التصرف الوزير الذي سقط في الانتخابات وأسقط حزبه معه، فقرر أن يقفز نحو ما يعطيه موقعه الرسمي الذي ناله نتيجة الحرد المتكرر، فوجه إلى ديوان الموظفين، في دولة كيسان، مطالباً بنقل الموظف الغلبان من وزارته، "التي ورثها عن أبيه"، متذرعاً بأنه يكتب مقالات يسيء بها إلى زملائه!. أرأيتم كيف يتصور هذا الوزير، الذي سقط في الانتخابات وأسقط حزبه معه، نفسه نائباً عن أناس لم ينتخبوه؟!. مما يستدعي السؤال الغائب إلى الذهن فوراً: ماذا كان للوزير الذي سقط في الانتخابات وأسقط حزبه معه، أن يفعل لو أنه نجح في الانتخابات، ولم يسقط ويسقط حزبه معه؟!. لا جرم إذن أن يعتقد بأنه ممثل عن الله، ويعرف للناس ما يصلحهم، ويختار لهم أن يعادوا شخصاً، لا لشيء إلا لأن الوزير، الذي سقط في الانتخابات وأسقط حزبه معه، يريد أن يثأر منه على إهانات سابقة، ما كان له أن يتذكرها، لولا أنه بات الآن معتقداً أنه مسنود بقوة حزب غاضب، من موظف غلبان ترك الحزب ذات يوم، دون أن يتوقع بأن حزبه السابق سيفوز في الانتخابات، في يوم آخر، ويختار أسوأ عناصره لهذه الوزارة، التي يعمل بها صديقي الموظف الغلبان.


لكن ثالثة الأثافي كانت تحالف الوزير، الذي سقط في الانتخابات وأسقط حزبه معه، مع موظف يبيع مقالاته لصالح قوى تعادي المقاومة. فمع أن الوزير، الذي سقط في الانتخابات وأسقط حزبه معه، يعلم بأن الخلاف، بين صديقي الموظف الغلبان والكاتب المتحالف مع أعداء شعب كيسان، هو خلاف وطني بين معسكر الوطنيين ومعسكر الجواسيس، إلا أنه قرر أن يقفز إلى جهنم بقدميه مرة واحدة، ويتحول إلى أعمى يضر نفسه ويضر حزبه!. فهل بلغ العمى بالوزير، الذي سقط في الانتخابات وأسقط حزبه معه، إلى هذه الدرجة!.


يا صديقي الموظف الغلبان، في دولة كيسان، ما لك وللوزير؟. أتظن بأنه لمجرد كونه قد سقط في الانتخابات، وأسقط حزبه معه، سوف يشعر ببعض الحياء أو الخزي!. إنك إذن لجهول. ألا تعلم بأن مثل هذا النوع من المخلوقات محصن ضد المعرفة، إلى درجة عدم القدرة على التمييز بين ما يضره وينفعه؟. ألا ترى إلى رأسه الصغيرة وعينيه الضيقتين وجبينه الحسير!. إذا كنت لا ترى ذلك، فإنني أحيلك إلى كتاب "أخبار الحمقى والمغفلين" لابن الجوزي. ثم ألم تسمع قول الشافعي رحمه الله: "ما جادلت عالماً إلا غلبته، وما جادلت جاهلاً إلا غلبني"؟. فكن أنت المغلوب، وتوقف عن كتابة المقالات، التي تغضب الوزير الذي سقط في الانتخابات وأسقط حزبه معه، قبل أن "يتوكل على الله" ويرسل لك مجموعة من مجموعات القتل الأسود. ألم تعلم بأن القاتل اليائس من رحمة الله لا يهمه شيء بعد، ما دام واثقاً بأنه قد اختار جهنم مبكراً؟.