في وداع رأس الكرنب الأحمر

 


نُشرت هذه المادة أول مرة بتاريخ 17/3/2007


 

"قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ" النحل/26


 

إلى الجحيم، يا رأس الكرنب الأحمر.. إلى الجحيم.


أنا هنا، وأنت هناك. فإلى الجحيم كل ما هناك: في غضب الرب، ولعنات الملائكة، وشماتة المظلومين.


لأنك لم تحفل إلا بما هو لك، فقد قطعت رحمك، وأسلمتها للبغي والعدوان.


لأنك لم تستمع إلا لنفسك، فقد جمعت من حولك من لا يقول لك إلا ما تريد أن تسمع.


لأنك لم تجارِ إلا نزعاتك الرخيصة، فقد تسربلت بسربال كبير عليك، وظهرت بمظهر المتدينين، وأنت من دينهم براء، ومن أخلاقهم على النقيض.


لأنك لم تستجب إلا لغرائزك الحيوانية، فقد توقعت أن كل ما يحيط بك يكنّ لك العداء، ويتحفز للانقضاض عليك، فاختبأت خلف سلطة زائلة، وقوة مؤقتة خادعة.


لأن شجاعتك لم تسعفك بالاعتماد على قوة ذاتية معدومة، فقد لجأت إلى من هو أقوى منك، فلم يحمك، بل زادك امتهاناً، ثم رماك إلى الذئاب.


لأنك لم تلتحق في الحقيقة إلا بشهواتك الدونية، فقد ظلت النسوة يهربن منك ويتفرقن من حولك، وكلهن لك لاعن أشد اللعن، ومشمئز غاية الاشمئزاز.


تسألني كيف عرفت ذلك، يا رأس الكرنب الأحمر؟. فأقول لك: لا زالت اللعنات المنصبة على رأسك تأتيني، كلما زارتني إحدى المعذبات، ممن ابتلاهن الله بالحاجة إليك، أو ابتلاهن الطلب بالاختلاط معك.


ولك عندي ما لا تعلم أنني أعرفه وأدخره لمعركة قادمة.


يا رأس الكرنب الأحمر، أنت حين تضحك تمثل، وحين ترضى تمثل، وحين تحب تمثل، وحين ترجو تمثل، وحين تعد تتخذ هيئة الممثل، وحين تجبر على العطاء تمثل. فقط أنت تكون حقيقياً حين تغضب. لهذا أحب أن أراك غاضباً يا رأس الكرنب الأحمر، ولهذا فإنني ألعنك، فإلى الجحيم.


أنت ممثل رديء يا رأس الكرنب الأحمر. أو تدري لماذا؟. لأن كل من عرفك لم ينخدع بتمثيلك، وعندما حانت لحظة الحقيقة قالوها لك في وجهك، بأنهم يفضلون أي أحد عليك. حتى أهلك يفعلون ذلك يا رأس الكرنب الأحمر. فبؤساً لمن صدقك، وتعساً لمن حالفك، فقد أدركا متأخراً أن مصيرهما الخسران المبين. وأن لو حالفوا أحداً غيرك لما نالهم ما نالهم من خسران. ومع ذلك ظللت تجرى وتتسول وترجو وتتحزن حتى أعطوك ما ليس من حقك، وجاروا على من هو خير منك.


إذا أردت أن تتسول منصباً ليس لك، يا رأس الكرنب الأحمر، فحافظ على قليل من هيبة المنصب إذ أعيتك هيبة الشخصية. فما هكذا تُتسوِل المناصب يا رأس الكرنب الأحمر. ألا تخزى أو تستحي؟!.


ولأنك لا تفعل، فاذهب إلى الجحيم.


نلعنك، يا رأس الكرنب الأحمر، لأننا لم نعرفك إلا سوقياً، ولم نرك إلا لئيماً، يجمع بين البخل والمكر. فلطالما كرهناك يا رأس الكرنب الأحمر، ولطالما صلينا ليوم رحيلك. فإلى الجحيم.


ألعنك يا رأس الكرنب الأحمر، لأنني لم أر وجهاً يشبه وجهك، وقد اجتمعت فيك خصلتان: هشاشة النفس، والمسارعة إلى العدوان. لهذا كرهتك ولعنتك وحاربت كل ما تمثل من قبح وقسوة وعدوان، ولهذا انتظرت يوم رحيلك.. ولو بقيت الدهر، يا رأس الكرنب الأحمر، لظللت الدهر ألعنك وأستنزل غضبات الرب عليك، كما فعل المظلوم الذي بعته لقاء عرض رخيص، وربح متوهم. فإلى الجحيم.


ألعنك، يا رأس الكرنب الأحمر، لأنك لم تأتنا، يوم أتيتنا، إلا نذيراً باحتراب الأخوة، وتفسخ البيوت، وحصار الأشقاء، وسوقية السياسيين الجدد. ألعنك وأتشاءم بك، وأشكر الله أن أذهبك عنا، وأذهب بذهابك الحزن. فلتذهب الآن أنت ومن هم على شاكلتك إلى الجحيم.


إلى الجحيم شكلك القبيح، وروحك الخبيثة، وطعمك الرديء، وما تملأ به أمعاء الآخرين من رياح سيئة.


إلى الجحيم ما تأتي به لنا من خيالات شريرة..


إلى الجحيم ما تدعونا إليه من كراهية حمراء، مستمدة من أخاديد وجهك وثآليل روحك وسوداوية تفسيراتك للنصوص..


إلى الجحيم تزويراتك الرديئة وادعاءاتك ما ليس للأنبياء.


الآن رأيتني في موطني، ورأيتك في موطنك.. وبيننا جبال من الأعراف والنيران وسدنة الجحيم!.


فإلى الجحيم، يا رأس الكرنب الأحمر.. إلى الجحيم.


الآن تعود إلى بيتك وحيداً منعزلاً، من كل هذا الهيلمان الكاذب، وهذه العصبة المنافقة، ولا يتبقى لك إلا ما أخذت بغير حق، لتدفع جزاءه لعنات في الدنيا، وعذاباً في الجحيم. فإلى موطنك الجديد، يا رأس الكرنب الأحمر، إلى الجحيم.


إلى الجحيم، حيث الكراهية موئلك، والخبث منبتك، والشر عملك، والقتل شرعتك، وتقطيع الأرحام هوايتك، التي لا تكل من ممارستها.


فإلى الجحيم.


إلى الجحيم، حيث المرايا التي تكره، مبثوثة في كل مكان، لكي تتمكن أخيراً من رؤية حقيقة نفسك، التي حاولت تغطيتها بابتسامتك الصفراء، ووجهك المنكور الذي طالما أخفيته وراء الأقنعة المتعددة.


فإلى الجحيم، يا رأس الكرنب الأحمر.. إلى الجحيم.


إلى الجحيم، قولك وفعلك وأولياؤك، الذي استمتعتَ بهم واستمتعوا بك؛ فقد بلغتم الأجل الذي أجله الله لأمثالكم، وجاء وقت العذاب.


فإلى الجحيم.


إلى الجحيم، حيث تكتشف نفسك من جديد، وتبدأ حياتك من جديد، وتواجه جرائمك من جديد، وتقف أمام حساب لم تكن تظن أنك ستقف أمامه لحظة من نهار..


فإلى الجحيم.


إلى الجحيم، يا رأس الكرنب الأحمر، سريعاً ومباشراً ودون التفاتة أو تمهل، بوجهك القاسي، وروحك الحقود، وعينيك الخبيثتين، وقدميك المسرعتين إلى الشرور.


فإلى الجحيم.


إلى الجحيم، مرة واحدة وإلى الأبد. فإن لم يعجبك مستقرك الأخير، فالجأ إلى كل هؤلاء الذين ظللت تلجأ إليهم، كلما نالتك صفعات الساخرين، وما أظنهم بملجئيك.


فإلى الجحيم.  


إلى الجحيم، يا رأس الكرنب الأحمر، وحيداً، مجرداً، عارياً، إلا من قبحك وجرائمك، وسعيك لغسل الدم عن يديك،


فإلى الجحيم.


إلى الجحيم يا رأس الكرنب الأحمر، أنت وأثقالك وَأَثْقَال مَّعَ أَثْقَالِك. لتُسأل عما افتريت وظلمت.

فليت شعري، أية أثقال ستحمل، وأية أثقال ستدع!.


فإلى الجحيم.


إلى الجحيم يا رأس الكرنب الأحمر، حيث يخرج لك النمامون والرديئون ألسنتهم، ويتحلقون حول كل ما زعموا لك أنهم أعداؤه، وينشرون غسيلك الذي طالما أخفيته بين إستك وخصيتيك.


فإلى الجحيم.


إلى الجحيم، يا رأس الكرنب الأحمر، وقد قامت قيامتك، منذ اليوم الذي برعم فيه رأسك، من وسط الذرق، صاعداً نحو وجه الأرض.. نفس الأرض التي ظلت تلعنك سائر العمر..


فإلى الجحيم.


إلى الجحيم حياتك وموتك، وكل ما حلمت به، وكل ما ناديت له، وكل ما مثلته من قبح وحقد وكراهية وقطيعة رحم..


فإلى الجحيم.


الآن يكتب فيك، يا رأس الكرنب الأحمر، من كان يكتب لك، ويقول فيك من كان يقول لك، وينم عليك من كان ينم لك، ويرجع مستشاروك الرديئون إلى مواقعهم القديمة، مكفرين عن وشاياتهم، ببذل رقبتك..


فإلى الجحيم، يا رأس الكرنب الأحمر، أنت وهم.


ولا تنس أن تأخذ معك رقبتك الجافة، وقامتك المخروطية، وادعاءاتك الرخيصة، وحقدك الذي لا تليق به إلا نيران الجحيم..


فإلى هناك، إلى هناك، إلى هناك..


إلى الجحيم.


إلى الجحيم يا من أرجو أن يكون ثالث ثلاثة لا يكلمهم الله، يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: فلعمري، لئن كنت قبل يومين ملكاً كذاباً، فما علمتك ـ حين علمتك عائلاً ـ إلا مستكبراً..


تكفيك اثنتان، يا رأس الكرنب الأحمر، تكفيك اثنتان؛ فلو علمتُ أن فاحشة عَرضت لك في الطريق ـ رغم عنَّتك المخزية هذه ـ لأيقنتُ أنك مسرع إليها ومسرعة إليك. لا جرم أن يعرف الخل خليله، وقد ورد في الأثر أن الأرواح جنود مجندة: ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.


فإلى الجحيم، يا رأس الكرنب الأحمر، إلى الجحيم.


طوبى لما تنكر يا رأس الكرنب الأحمر، وبؤساً لما تعرف، فما عرفت في حياتك غير الشر،، وما مرت من أمام عينيك فتنة إلا دعوتها.


فإلى الجحيم.


يا عدو الأولاد إلى الجحيم.


أيُضرب الأطفال في الصباحات الباردة بالمسطرة الحديدية على أظفارهم، إلا صاحب خبث مركوز وطبع سوداوي؟!.


أنت فعلت ذلك يا رأس الكرنب الأحمر أنت فعلت ذلك، برأسك الأحمر، وطعمك الخبيث، وكراهية الآخرين لك..


أنت فعلت كل ذلك يا رأس الكرنب الأحمر، أنت فعلت ذلك، وأنت دعوت له، وأنت من يبكي الآن انقشاع هذا الليل.. فابك في غرفتك السوداء يا رأس الكرنب الأحمر.


ابك في قعر الجحيم، يا رأس الكرنب الأحمر..


وإلى الجحيم.


طوبى لمن فارقك وفارقته. ولو خسر كل مال الدنيا لكان عندئذ رابحاً، ولبؤت بالخسران المبين. أنت تعرف تأويل ذلك جيداً، يا رأس الكرنب الأحمر. أنت تعرف تأويل ذلك.


طوبى لمن عرفك واجتنبك.. وطوبى لكل أم حذرت أبناءها من الاقتراب من مكانك..


أنت تعرف حقيقة ما أقول يا رأس الكرنب الأحمر.


أنت تعرف حقيقة ما أقول.