• سياسة
  • 2290 قراءة
  • 17:28 - 24 سبتمبر, 2015


البول أيها الأخوة البول


هذا بعض ما نسمع يوم الجمعة


 


نُشرت هذه المادة أول مرة بتاريخ 30/12/2007

 


من أكثر الأشياء التي كرهتها في فتح، عدم قدرتها على ضبط عناصرها، الذين يطخون في المناسبات وغير المناسبات؛ مستغلين سلاح السلطة لترويع الآمنين. وقد أثبتت الأيام أنني على حق، خصوصاً بعد أن رأينا كيف أن هؤلاء (الطخيخة المتبجحين زوراً) لم يتمكنوا من الدفاع عن سلطتهم الشرعية، عند أول امتحان.


ومن أكثر الأشياء التي أكرهها الآن في حماس، نفس هذا الشيء، الذي جاء المشايخ ليمنعوه، ثم اكتشفوا من بعد أن شهوته لذيذة وممتعة، ولا يستطيعون لجمها.


لم أكن مهتما يوما لتعيين هوية مطلقي الرصاص، في عهد حكومة فتح. فقد اعتبرت أن فتح هي التي تطلق، طالما أنها هي السلطة. عملية حسابية بسيطة، تقضي بأن من يملك السلطة هو الذي عليه أن يمنع الخروقات.


وأنا الآن لست مهتما بتعيين من هي الجهة التي تطلق النار، في المناسبة الفلانية، لأنني أعتبر أن حماس هي المطلقة، وهي التي تتسبب بكل هذا الخطر والإزعاج، لسبب بسيط يقول بأنها هي التي تعتبر نفسها سلطة هنا في غزة.


في حساب كل سلطة محترمة، لا فرق بين مواطن وآخر، فالكل سواسية أمام القانون. وأنا هنا أسأل بوضوح السؤال التالي: لماذا تم السماح بإطلاق كل هذا الرصاص الكثيف، في جنازة الشهيد ماجد الحرازين؟.. ثم لماذا تم السماح بالتسبب في سقوط سلك كهربائي، من عمود الشارع، بفعل الرصاص، ليقتل مواطنا بريئا، بخل عليه الإعلام بمجرد ذكر اسمه؟. أليس هذا مواطنا صالحا؟. أم أنه هو الآخر من (الانقلابيين) الذين تباح دماؤهم لغير سبب؟. أم أن على الناس أن يموتوا (دون أسماء) كلما سقط قائد هنا أو كادر هناك؟. ثم ماذا فعلت شرطة حماس للمتسببين في هذا القتل الذي يشبه العمد؟. لا أعتقد أن أحدا اهتم للموضوع؛ على اعتبار أن هذه هي بعض ضرائب المقاومة.


ألا ترون أيها السادة أن هذا النوع من (المقاومة) يفقد المواطنين حقهم في أن يكونوا بشرا ولهم أسماء؟.


سؤال آخر، أرى أن من حقي توجيهه لولاة الأمر هنا: قلتم إنه تم تشكيل لجنة تحقيق، لضبط مطلقي الرصاص، على حفل تأبين الشهيد ياسر عرفات. وقلتم إنهم من فتح. فماذا كان؟. وهل كونهم من فتح يعفيهم من المثول أمام القانون. أم أنه لا يوجد متهمون ولا ما يحزنون؟.


أيها الناس، لقد سقط في ذلك اليوم تسعة شهداء من رعاياكم، الله سائلكم عنهم يوم القيامة. ألا تعرفون هذه الحقيقة، أم أن السياسة غطت على أفئدتكم، فصرتم تستكثرون من (الفتاوى) التي تجد لكم المخارج الفقهية في كل مرة؟.


من أكثر الأشياء التي كرهتها في فتح، ذلك العدد الهائل من الجهلة، الذين يصعدون المنابر، ويتحدثون باسم الثورة، مع أنهم لم يكونوا ثوريين ذات يوم، وتحولوا إلى فاسدين ومرتشين في ظل السلطة.


والآن من هو الذي يستطيع أن يحصي عدد (الأميين) الذين يصعدون المنابر، ليلوثوا صلواتنا كل جمعة، بكل هذا الكم من الصخب والفظاظة والضجيج والشتائم؟. ومن هو الذي يستطيع أن يسأل واحداً، من هؤلاء الذين اغتنوا فجأة، عن مصدر ثروته وقصوره وزوجاته، رغم أن مرتباتهم لا تبيحهم اقتناء (سيارة خردة)؟. أظن أنني لو عيّنت أحدهم باسمه، إذن (لفقعني) خطبة عصماء ذات جمعة، ولدعا المصلين أن يؤمّنوا وراءه على لعني. ثم من يدري من سيرسل لي في ساعات الليل؟.


"يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا. وحزرا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظٍّ ولا غليظٍ، ولا سخّابٍ في الأسواق، ولا يدفع بالسيئةِ السيئةَ، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا". رواه البخاري تحت رقم 2018


هذه صفات نبي هذا الدين في القرآن والكتب السابقة، بها تبشر وتدعو، قبل أن يكون لهذا الدين وجود مادي على الأرض. ليس فظاً ولا غليظاً ولا سخاباً في الأسواق. فمن أين جاءنا وعاظ يملأون المنابر صخباً؟. وكيف أمكن لمتدين حقيقي أن يكون فظاً، يكرهه جيرانه ويتمنون له المهالك؟. وبمن اقتدى ذلك المتدين المتجهم، لكي يواجهنا صباح مساء بما نكره، ولا يقره شرع ولا دين؟.


محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس صخابا ولا بذيئاً، ولم يقض وقته في كيل الشتائم لأبي جهل وأبي سفيان. ومن وجد في كل خطب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المحفوظة شيئاً من هذا، فليأتني به، لعلي أراجع معلوماتي (الخاطئة). فمن يدري، فلربما ظن أحدهم أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يشبه، من قريب أو بعيد، هؤلاء الخطباء الجهلة، الذين يرسلونهم إلينا، ليملأوا ساحات المساجد زعيقاً وصخبا وشتائم، يقشعر لها قلب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قبره.


أوكلما أُرتِج على واعظ جاهل، وجد لعيّهِ متنفسا في كيل الشتائم لرئيس السلطة؟. وهل بلغت المهانة بالمتدينين حد أن يسمحوا لأنفسهم بالانحدار إلى هذا المستوى، وتحويل يوم الجمعة إلى يوم الشتائم الأسبوعي؟.


لقد رأيت خطباء يشتمون أجدادنا، ويتهمونهم بالخيانة، ونحن نسمع. ورأيت خطباء يزورون تاريخ الأمة، ونحن نسمع. لكن أفظع ما أراه الآن، أسبوعيا، هو هذه الشتائم البذيئة، المنطلقة من المنابر، على كل من هبّ ودبّ!. فهل يقبل أحد أن يفلس خطيب، فلا يجد ما يقول، فيتوجه من فوره إلى لفت انتباهنا، إلى التشابه البليغ بين اسم (كولين باول) و(البول) الذي يهرقه (سماحته) في حمام المسجد قبل الوضوء؟.


"البول أيها الأخوة البول. ماذا تتوقعون من البول غير النجاسات والقذارة؟. البول أيها الأخوة البول...". أي والله. هذا شيء مما نسمعه، يوم الجمعة، برعاية من متدينين يقولون إنهم يقتدون بمحمد، صلى الله عليه وسلم.


لماذا لا يُطلَب من الوعاظ أن يقدموا شهادات، قبل الصعود إلى المنابر، غير لحاهم وجلابيبهم؟. لماذا لا تتم إعادة تأهيلهم، ليفهموا أن ما يقولونه مسجل عليهم في لوح محفوظ؟!. لماذا لا يتم غرس إيمان ومعرفة حقيقيين في قلوبهم، قبل السماح لهم بامتشاق أصواتهم المنكرة، للصد عن أجمل دين بأقبح طريقة؟.


وهل يقبل أحد أن يلاحظ الخطيب انصراف الناس عن الاستماع إلى أحاديثه (الموضوعة)، فيقرر فجأة تحويل الأمر إلى وصلة من الردح والشتائم، تتهم المشتركين في تأبين الشهيد الخالد ياسر عرفات، بأنهم مجرد جهلة ومخدَّرين؟.


أعرف الكثير من دكاترة الجامعات والأطباء والمهندسين ورجال الأعمال الناجحين، خرجوا في تأبين ياسر عرفات. فهل كان خطيبنا ـ الذي يشتغل في إخراج الجن من الممسوسين ـ أفقه منهم، وأكثر علما؟.


فلمن أوجه هذا السؤال، إن لم أوجهه إلى حماس، التي تمسك بزمام السلطة هنا، وتقول إنها من عند الله؟. فهل أنتم واثقون من أن الله يقبل بهذا النوع من الوعظ، كل جمعة، حتى تصروا على إرسال هؤلاء الجهلة إلينا؟.


أنا على حد علمي لم أسمع أن الوعاظ، في الضفة الغربية، يصفون السيد إسماعيل هنية بأنه جاسوس لليهود. ومع ذلك تجد هنا من يصف رئيس سلطتنا المنتخب، بأنه جاسوس صهيوني ماسوني بهائي... إلخ هذه الصفات التي يتكرر إطلاقها، على ألسنة خطباء متعددين، بما يوحي أن تنظيما حديديا كلفهم بها.


أليس طريفا أن يتصدى (رويبضة) نكرة، لم نكن نعرفه في لحظات الكرب، لتحليل شخصية رئيس منتخب يحمل شهادة الدكتوراه؟. أم أن الأمور قد وُسِدت إلى غير أهلها بالفعل، لكي ننتظر الساعة؟!.


فإذا كانت هذه هي أشارات الساعة، أيها السادة، فحري بنا أن نصدق ما نرى: فها هو المسيح الدجال يملأ ما بين الخافقين، ويقول بأنه ربنا الأعلى.


وبعد أيها الناس،

إن خطبة الجمعة مشروعة، في الأصل، لتيسير الدين وشرحه، وتقريبه من قلوب الناس. فهل يفعل الخطباء اليوم هذا؟.


أيها الخطباء،

لا تبولوا على المصلين، فبهم صعدتم المنابر، وبهم تقبضون مرتباتكم، وعنهم سوف يسألكم ـ ذات يوم ـ من لا تخشونه الآن، وتتشدقون باسمه وتأكلون صباح مساء.


"وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ"

البقرة/281