الإسلام إسلامان


  

سبق أن قلت ـ في بعض تغريداتي على الفيس بوك ـ إن الإسلام إسلامان: إسلام الرحمة والتكافل وإطعام الفقير والعدل والمساواة والشورى، وإسلام الجبروت والفتح والقوة.


ماذا يهم الفقير من فتح عبد الملك والحجاج لبلاد السند؟


ماذا يهمهه من وجود دولة في الأندلس، لم يؤمن بها مشرك واحد، لانعدام القدوة، من خلفاء كان همهم ملذاتهم والقصور؟.


لقد خرج الإسلام من الأندلس بفضل الخلفاء، ولقد دخل الإسلام أفريقيا بفضل التكافل والصدق.. أليس في هذا بيانا شافياً، بأن دين الجبروت إلى زوال؟.


فليذهب كل التاريخ الجبروتي وكل الفتوحات إلى الجحيم ـ مع الحجاج وعبد الملك والرشيد وأضرابهم ـ إذا لم يكفل حق الجائع في الخبز، وحق المريض في العلاج، وحق المظلوم في العدل..


أظنكم لا تمارون في أن دين الجبروت، لم يكفل شيئا من هذا طوال تاريخه. لقد قلت هذا سابقاً، والآن أضرب الأمثلة:


لقد جاء الإسلام ليشجع على تحرير العبيد الموجودين، وليمنع استرقاق الأحرار. ولقد بقي هذا النهج ثابتاً طوال عهد الراشدين، حيث أخذ عدد العبيد في الدولة الإسلامية يتراجع. لكن الانقلاب الذي حدث بعد ذلك، حول الدولة إلى فضاء ممتد لملايين المستعبدين، الذين خطفهم التجار المسلمون وباعوهم للقصور. يمكن رؤية ذلك واضحا من سيرة الدولة العباسية، وأسواق العبيد في العواصم (الإسلامية).


الطريف في الموضوع، أن التجار (المسلمين) لم يعودوا يخطفون الناس من أفريقيا، ليستعبدوهم ـ فقد صارت المتعة العربية متطلبة في ظل هذا البذخ، الذي استفحل على حساب الفقراء ـ فأخذوا يخطفون من أجناس بيضاء، فكثرت الجواري من بلاد روسيا والصرب وتركيا والروم والفرس.


يمكن القول بأن مسيرة الدولة (التي قيل إن الحاكم فيها يحكم بما أنزل الله) كانت مسيرة استعباد وظلم واستبداد: فالحاكم يخترع له العلماء (حد الحرابة) ليسلطه على المعارضين السياسيين، والحاكم يوظف في قصره من كبار العلماء من مهمته أن يخترع له الفتاوى في التفنن في ظلم الناس، ونهب أموالهم..


والأحرار المستعبدون في الدولة يشكون إلى الله وإلى العلماء، والعلماء يأمرونهم بـ(الصبر)!.


ولقد شارك كتاب التاريخ في تأبيد هذه النظرية القبيحة، لدولة الظلم، حين وقفوا ضد كل ثورة اجتماعية.. ولمن شاء فليقرأ ما قالوه في ثورات الزنج والقرامطة وأضرابهم!..


ولقد صدقهم الناس حتى صاروا يرون كل خير في جانب الحاكم، ولم يعودوا يتساءلون: لماذا ثار هؤلاء، وهل كان صحيحاً ما نسبه إليهم كتاب التاريخ المزورون؟


في ظل الدولة الإسلامية ـ طوال أربعة عشر قرناً تقريباً ـ كان بإمكان كل مسلم متدين (شديد التقوى) أن يذهب إلى سوق الكرخ، ليشتري لنفسه جارية، خطفها التجار من زوجها قبل أيام.. ثم ليس عليه أن يعاملها كزوجة!..


لقد كان بإمكانه أن يجس أماكن العفة من جسدها (باسم الإسلام)! وكان بإمكانه أن يقلبها كما يشاء ـ مثل حبة طماطم ـ (باسم الإسلام)!. ولكي يكون هذا موثقا باسم الله، فقد اخترعوا لذلك نصوصاً! فهل يعقل أن هذا هو الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؟


وماذا يفيد قولي إنه لم يكن دين محمد صلى الله عليه وسلم، في مواجهة قول مؤسسات دينية قامت لتأبيد هذا؟ وإلا، فهل تستطيع المؤسسات الدينية أن تعلن براءتها من ظلم العباسيين والأمويين وكل الخلفاء الذين قالوا عن أنفسهم مسلمين؟ هل تستطيع المؤسسات الدينية أن تعلن أن تاريخ الظلم هذا، هو تاريخ دنيوي لا علاقة له بالدين؟


إنهم يحومون حول الموضوع ثم لا يتكلمون إلا كلاماً عاماً، لا يلزمهم بنبذ القبح مباشرة. أتعلمون لماذا؟ لأنهم يريدون من هذا!..


أي والله، يريدون من هذا!..


سبحانك هذا بهتان عظيم