لا لاحتكار الحقيقة


مقارنة مختصرة بين الفرق الإسلامية



  

يتميز المعتزلة بأصولهم الخمسة الشهيرة:


1ـ العدل

2ـ التوحيد

3ـ الوعد والوعيد

4ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

5ـ المنزلة بين المنزلتين.


أولاً: العدل:


فالعدل ـ عندهم ـ يعني حرية الإنسان في اختيار فعله. فالله لا يجبر العباد على فعل ثم يحاسبهم عليه. وهم في هذا مختلفون عن جمهور علماء أهل السنة، الذين يميل معظمهم إلى جبرية تستعصي على التفسير، وتخالف مفهوم العدل المطلق.


ثانياً: التوحيد:


أما التوحيد فيعني عندهم أن الله واحد لا شريك له، وأن صفاته تعبير عن ذاته، لا تستقل بنفسها، ولا أثر لها، دون ذاته سبحانه. فالصفة هي الموصوف في حالة من حالاته. ويخالفهم أهل السنة بفهم سلفي يقول: إن صفاته سبحانه قائمة وحدها، وأن الصفة غير الذات، فنحن نستطيع أن نقول تبارك سمعه ـ على سبيل المثال ـ ولذا فهم يؤكدون على ما يصفونه بتوحيد الأسماء والصفات؛ فيما يرى المعتزلة أن هذا التفكير يقود إلى تعدد الآلهة؛ محتجين بأنه لو أمكن توحيد كل صفة على حدة، لكانت الصفات آلهة من دون الله.


ثالثاً: الوعد والوعيد:


الوعد: هو التعهد بفعل المحبوب. وهو في حق الله وعد الطائعين بالجنة.


أما الوعيد: فهو التعهد بفعل المكروه. وهو في حق الله وعيد العصاة بالعذاب.


يرى المعتزلة أن كل ما وعد الله به، أو أوعد، فهو لازم الوقوع، لأن الله صادق مصدوق لا يخلف أيا من وعده او وعيده: فإذا توعد العاصي بالنار فحتما سيدخلها، وإذا وعد الطائع بالجنة، فحتما سيدخلها.


فيما يرى أهل السنة أن وعده واجب حتم الحدوث، أما وعيده فغير حتم ولا واجب الحدوث، لأن رحمته تسبق عذابه. فقد يتوعد الله سبحانه أحدا بالنار، ثم يرحمه كرما منه ومنة وتفضلاً. ولطالما تمدح الناس بتنفيذ الوعد وإخلاف الوعيد.


رابعاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:


ويعني عند المعتزلة دعوة الحاكم للعدل بين الرعية، والانتهاء عن القبح، في نفسه، وفي رعيته. ومن ثم تأكيد جواز الخروج عليه، إن امتنع عن الانتهاء عن القبح.


فيما يرى جمهور أهل السنة ـ باستثناء الإمام الأعظم ـ وجوب طاعة الحاكم، مهما ظلم وطغى واستأثر بالمال، مالم يأمر بمعصية ـ فلا تجوز طاعته ولا يجوز الخروج عليه؛ مبررين ذلك بكون الخروج عليه يؤدي إلى فتنة أكبر. وقد عبر عن هذا الرأي الإمام الأوزاعي حين أنكر على أبي حنيفة دعوته للخروج على الحاكم الظالم، ولو كان مسلما. قال: ما زلنا نحتمل من أبي حنيفة كل شيء، حتى جاءنا بالسيف.


خامساً: المنزلة بين المنزلتين:


يرى المعتزلة أن المؤمن العاصي لا يصل في قبحه إلى مستوى الكافر، كما أنه لا يصل في جماله إلى مستوى المؤمن الطائع. من هنا فقد اخترعوا منزلة ثالثة بين منزلتي الكفر والإيمان: فالمؤمن حين يرتكب الكبيرة يخرج من الإيمان بمعصيته، لكنه لا يدخل الكفر كونه ما يزال على شهادة التوحيد. وبذا فهو واقع في منزلة بين منزلتي الكفر والإيمان.


أما أهل السنة فلا يخرج عندهم مرتكب الكبيرة من الإيمان، مهما فعل، ما دام يشهد بشهادة التوحيد. نعم هو مهدد بالنار، لكنه سوف يخرج منها ولا بد، وذلك تفريقا له عن الكافر. فمرتكب الكبيرة عندهم مؤمن وقد يوصف بالفسق أحياناً.  


تبقى فرقة الخوارج:


1ـ الخوارج يرون أن مرتكب الكبيرة كافر مرتد عن الإسلام، بل إن الكافر الأصلي أفضل منه.


2ـ ويرون وجوب خلع الحاكم الظالم من أساسه. فمن تخلف عن خلع الحاكم الظالم كان قاعدا عن الجهاد في سبيل الله.


3ـ يرون صلاحية بيعة وحكم كل مسلم عاقل عادل، حتى لو كان عبدا حبشيا، بغض النظر عن القرشية من عدمها.


النتيجة:


ها أنتم ترون يا أصدقائي، أن الله أبى أن يجعل الحقيقة كاملة، لدى فئة معينة من فئات المسلمين: فالمعتزلة لهم جمالهم ولديهم أخطاؤهم. والخوارج لديهم ما هو جميل وما هو خطأ. وأهل السنة كذلك، لا يستطيعون احتكار الحقيقة من دون الباقين.


لا احتكار للحقيقة باسم السنة أو أي شعار آخر. ولو أراد الله لهذه الأمة الكمال ـ وأنى هذا ـ لتبنت مذهب الخوارج في الحكم، ومذهب المعتزلة في العدل، ومذهب أهل السنة في عدم التكفير.


لكن أبى الله إلا أن يتم كتابه، ولكن المتعصبين لا يعلمون.


ملاحظة:


الشيعة في موضوعي العدل والتوحيد يقتربون من مفهوم المعتزلة.


وفي موضوع الحكم هم أمة قائمة بذاتها من دون المسلمين.