د. محمد حسونة


تقنية الهامش


في رواية خضر محجز "عين اسفينه"*


إرادة القوة، الهوية، الليبيدو


ملخص:

تحاول هذه الدراسة الإجابة على السؤال المركزي، الذي تطرحه هذه الاستخدامات الواسعة لتقنية الهوامش، في رواية "عين اسفينه" للروائي الفلسطيني خضر محجز؛ السؤال الذي يقول: هل يحتمل فن الرواية الحديثة هذه الكثرة من الهوامش، ولماذا؟. وفي سبيل الإجابة على هذا السؤال قام الباحث بتقسيم بحثه إلى ثلاثة محاور هي: النص كإرادة قوة، النص والليبيدو، النص والهوية. كل ذلك ليبين الأهمية القصوى لهذه الهوامش، من حيث هي تضيف إلى المتن الكثير مما لم يكن يتسع له في العادة.

وفي نهاية البحث يقدم الباحث أهم استنتاجاته التي خلص إليها من هذا التقسيم.

أولاً: المقدمة: المنهج وسؤال البحث:

ملاحظة لافتة أولى تَبْدَهُ قارئ رواية عين اسفينه: كثرة الهوامش وغناها المعرفي والدلالي. الأمر الذي يطرح منذ الوهلة الأولى سؤاله القلق: هل يحتمل فن الرواية الحديثة هذا النمط من الهوامش؟. هل يحتمل فن السرد الحديث هذه الكثرة من التفسيرات والإحالات والتناص والأيديولوجيا والتفاسير... إلخ، ولماذا؟.

قبل الإجابة على هذا التساؤل، ينبغي لنا فحص معنى ذلك بالأرقام. ولكن قبل ذلك ربما يجدر بنا تعيين منهج التفسير الذي سنستخدم أدواته هنا.

ربما يمكن ملاحظة أن مناهج ما بعد الحداثة، التي ركزت على سؤال النص وما وراء النص، من علاقات قوة وتاريخ هيمنة. هي القادرة على إمدادنا بأدوات بحث منهجي متماسك. فلقد تبلورت ـ في العقود الأخيرة من القرن العشرين ـ مجموعة من المناهج، على أنقاض البنيوية النصية. وكل هذه المناهج التي تشكل في مجموعها ما يسمى بـ(النظرية) يبحث في النص، من خلال ما يحيل إليه من علاقات إنتاج، لا تؤثر في اختيار الموضوع فحسب، بل كذلك في كيفية تناوله. إن مجموعة البحوث الكبرى التي قدمها باحثون كبار في مجال النظرية (كإدوارد سعيد، وهومي بابا، وأنطونيو غرامشي، وستيفن غرينبلات، وميلان كونديرا، وجان بيلمان نويل) ومن قبل ذلك مؤسسون عظام (كنيتشه وفرويد وباختين)... إلخ، تعتبر الأساس النظري الذي يستند إليه هذا البحث ويدين له.

من هنا فإن هذا البحث يعتبر كل هذه المناهج، مع كل فروع العلوم الإنسانية، منهجاً وأداة بحث: فلم يعد من الممكن في عالم النظرية الأدبية اليوم، أن يقال: هذا بحث في النقد النفسي، أو هذا بحث في النقد التاريخي، أو البنيوي، أو الأسلوبي... إلخ، لأن كل ذلك سوف تستحضره النظرية وتستفيد منه، بهدف إجراء كشف عميق لما يقوله النص، وكيف يقوله. وهذا ما نحاول في هذا البحث القيام به. والله ولي التوفيق.    

ثانياً: الإجراء: الكلمات والصفحات والنسب:

قلنا قبل سطور: إن علينا أن نفحص كثرة الهوامش بالأرقام. وها نحن نفعل ذلك:

لقد بلغ عدد هوامش رواية عين اسفينه أكثر من مائة واثنين من الهوامش (102). فيما بلغ عدد صفحات الرواية ـ في طبعتها الأولى التي بين يدينا ـ مائتين وتسع وعشرين (229) صفحة من بعد الغلاف.

 وعندما أعطيت الكمبيوتر أمراً بنسخ الهوامش جميعها، ثم نسقتها بنفس طريقة تنسيق حروف متن الرواية، وبنفس البنط، بهدف معرفة كم يبلغ عدد صفحات الهوامش، فيما لو قيض لها أن تُطبع مستقلة. فكانت النتيجة ثمانية وعشرين (28) صفحة.

ولأن هذا الإحصاء ما يزال مخادعاً، على اعتبار أن هناك صفحات خالية تسبق كل فصل، كما جرت عادات الطباعة الفنية؛ فقد أحببت أن أجري مقارنة إحصائية أكثر دقة. لذا فقد قمت بإعطاء الكمبيوتر أمراً بفصل المتن عن الهوامش، وإعادة طبعه وتنسيقه، بنفس الطريقة التي طبعتُ بها الهوامش مستقلة، لأعرف كم يبلغ عدد صفحات المتن وحده، مستقلاً وخالياً من الفراغات، فماذا كانت النتيجة؟ مائة وأربعاً وثمانين (184) صفحة.

بقي أمر آخر لاحق بالهوامش، وهو مقدمات الفصول.

إن مقدمة كل فصل، من فصول الرواية المطبوعة، تحتوي على أشعار أو مقتطفات من التراث. لا شك أن هذه كذلك من اللواحق التفسيرية، التي لا تعتبر من متن الرواية. إنها بالهوامش أشبه. فكم تبلغ هذه المقدمات، فيما لو طبعناها ونسقناها بنفس الطريقة؟. ثماني صفحات كاملة، بعدد حروف يبلغ ستة آلاف ومائتين وواحد وخمسين كلمة (6251).

فإذا أضفنا هذه الصفحات الثماني إلى الهوامش، فسوف يبلغ مجموعها ستاً وثلاثين (36) صفحة (28 + 8 = 36).

النتيجة: ست وثلاثون صفحة للواحق التفسيرية والإضافات الأيديولوجية والإحالات التراثية والتناصات... إلخ، مقابل مائة وأربعة وثمانين صفحة لمتن الرواية.

أما النسبة المئوية للهوامش، مقارنة بمجموع صفحات الرواية، فتصبح الآتي:

مجموع صفحات الرواية هو مائتان وعشرون صفحة، منها ست وثلاثون للهوامش والمقدمات. أي أن نسبة الهوامش إلى الرواية المطبوعة تبلغ (.6316%).

ولكي يتضح مدلول ذلك بصورة أوضح، يجب التذكير بأن نسبة عدد صفحات المتن إلى الرواية المطبوعة هي (.683%).

وعندما قمنا بنفس الإجراء مستخدمين عدد كلمات كل من المتن واللواحق التفسيرية خرجنا بنتيجة مقاربة إلى حد كبير:

1ـ فكلمات الرواية كما طبعت بلغ عددها حوالي ثمانية وأربعين ألف كلمة (47808).

2ـ في حين بلغ مجموع عدد كلمات الهوامش أكثر من ستة آلاف كلمة (6251).

3ـ فيما بلغ عدد كلمات الصفحات الاستهلالية في البدء وقبل الفصول حوالي أكثر من ألف وأربعمائة كلمة (1416).

4ـ أي أن عدد كلمات اللواحق التفسيرية هو 6251 + 1416 = 7667 كلمة مقابل عدد كلمات كامل الرواية البالغ 47808.

نخرج من ذلك بنتيجة أن نسبة عدد كلمات اللواحق التفسيرية إلى كلمات الرواية المطبوعة كلها تساوي 16%. وهي نفس النسبة التي خرجنا بها عند إحصاء الصفحات تقريباً.

وإن هذه لنتيجة لافتة!.

ثالثاً: بداية التأسيس: مرونة الفن الروائي:

دعونا الآن نعود إلى سؤال البحث: هل تحتمل الرواية الحديثة كل هذا؟. هل كان لإصرار الروائي خضر محجز على دمج كل هذه الإحالات النصية بالرواية ما يبرره؟.

ربما تبادر إلى ذهني، في بداية الأمر، أن الروائي يرغب في القول إنه ألف رواية كبيرة!. لكن هذا التصور المتسرع سرعان ما تراجع، بعد أن تفحصت طرائق الطباعة، التي خرجت بها الرواية إلى الوجود؛ حيث لاحظت أن الكلام فيها متلاصق مزدحم وببنط صغير، مع تنسيق يبلغ حده الأقصى في اختصار عدد الصفحات. أي أن الروائي لو أراد أن يزيد من عدد صفحات روايته، لمجرد التباهي بالكثرة، لما كان عليه إلا أن يطبعها ببنط أكبر، وبتنسيق أقل ازدحاماً، كما يفعل كل روائيي قطاع غزة. إذن لخرجت الرواية في أكثر من ثلاثمائة وخمسين صفحة، بدلاً مما هو واقعها الذي لم يتعد 229 صفحة.

إذن فقد حُق لنا أن نستبعد هنا ظن المكاثرة هذا.

دعونا نعترف بأن فن الرواية ما زال عصياً على التقييد. لا أحد منا يستطيع أن يحدد ما يجوز في الرواية وما لا يجوز. إن ما يبرر الرواية هو أخلاقيتها. و"إن المعرفة هي أخلاقية الرواية الوحيدة"(1). تريد هوامش عين اسفينه ومقدمات فصولها أن تقول شيئاً لا يحتمله المتن. هناك قص، وهناك تفسير، وهناك استدعاء لنصوص وتاريخ وفقه وسياسة.

يقول باختين:

"إن الرواية تسمح بأن نُدخل إلى كيانها جميع أنواع الأجناس التعبيرية، سواء كانت أدبية (قصص، أشعار، قصائد، مقاطع كوميدية) أو خارج أدبية (دراسات عن السلوكات، نصوص بلاغية، وعلمية، ودينية، إلخ). نظرياً، فإن أي جنس تعبيري يمكنه أن يدخل إلى بنية الرواية. وليس من السهل العثور على جنس تعبيري واحد لم يسبق له، في يوم ما، أن ألحقه كاتب أو آخر بالرواية. وتحتفظ تلك الأجناس عادة بمرونتها، واستقلالها، وأصالتها اللسانية والأسلوبية"(2).

دعونا نقل في البداية إن لدينا راوياً واسع الاطلاع، في مجالات معرفية شتى. وإن وجود هذا الراوي ـ المستند إلى مؤلف نعرفه ويتصف بهذه الصفات ـ بين مجموعة متدينة من شخصيات العالم الموازي، الذي أنشأه في "الدولة الإسلامية، الواقعة في المنطقة الحرام، الفاصلة بين جنوب لبنان المحتل ومناطقه المحررة" (ص56)، هو الذي يستدعي منه توظيف راوي الهامش، لإصدار أحكام فقهية، أو لمعارضة أحكام فقهية صادرة من شخصيات متشددة. فلنتأمل كيف يفعل ذلك:

رابعاً: التطبيق:

رابعاً/1: النص كإرادة قوة:

يقول خضر محجز في رسالته للدكتوراه:

"الأيديولوجيا تعطي كبار الأيديولوجيين سلطة. وهذه السلطة المعطاة، من ثم، هي التي تحتكر تفسير الأيديولوجيا. وغني عن القول إن هذا التفسير سوف يكون متأثرا بمصالح هذه الطبقة الجديدة، من المفسرين الأيديولوجيين، ويعطيهم بالتالي سلطة أخرى، هي سلطة المعرفة، التي تنتج بدورها أيديولوجيا: فتفسير الأيديولوجيا هو بذاته أيديولوجيا. وهكذا يتم الأمر، وفق علاقة جدلية، تعيد إنتاج أدوات بقائها وتحكمها"(3).

إذن فالأيديولوجيا قوة، لأنها تسعى للسيطرة والهيمنة وتغيير الواقع.

تختلف الأيديولوجيا عن العقيدة في كون العقيدة تعني: إطاراً من الأفكار, لا يشترط التحقق العملي لتحقيق ماهيته. فالعقيدة الإسلامية، مثلاً، تفترض توفر مجموعة تصورات غيبية سماعية لدى معتنقها, فإذا توفرت هذه التصورات تحققت العقيدة. أما الأحزاب الإسلامية، فلا شك أنها أحد التجليات الأقوى للأيديولوجيا، لأنها تصر على إعادة صياغة الواقع الاجتماعي والسياسي وفق أفكارها(4).

نصادف في عين اسفينه العديد من الشخصيات التي تحكمها الأيديولوجيا ـ وتتحكم هي بالأيديولوجيا ـ المستندة إلى تفسيرات نصية منتقاة بعناية وعن قصد، بغرض فرض إرادة القوة على الآخرين. وفي السطور الآتية سوف نتعرض لما تناولته الهوامش من هذا، تاركين لبحوث أخرى مهمة تناول المتن.

رابعاًـ1/أ: النص والتأويل:

تعليقاً على نقاش مبتور، بين شيخين مختلفين فقهياً، في جواز اللجوء إلى محكمة العدل العليا (اليهودية) يقول راوي الهامش، معلقاً على استشهاد أحدهما بحديث (ما أوتي قوم الجدل إلا ضلوا): "هذا حديث نبوي شريف ينهى عن الاختلاف والتفرق. ولكن المشايخ يفهمونه كدعوة للصمت وإلغاء العقل، في مواجهة من هو أكبر منك في الموقع التنظيمي"(ص24).

فالشيخ المستشهد بالحديث، يستغل النصوص للهيمنة. إنها إحدى تجليات القوة، قوة النصوص في وجه الحياة. يريد راوي الهامش أن يقول لنا بطريقة ملتوية: إن تجمعات الإسلام السياسي تفترض في الفرد تعلم الخضوع، والتدرب عليه، هذا إذا ما أراد أن يُعتَبَر عضواً صالحاً في الحزب. إما هذا، وإما اعتباره ضالاً عن جادة الطريق السوي.

والسؤال هو: ألا نرى هنا وجه المؤلف الضمني يطل علينا من وراء ستار؟. ألسنا نعرف أن المؤلف المدني هو الذي يعرف حق المعرفة كيف تتم ممارسة هذا النوع من الهيمنة، وهو من ثم يحمل راويه مهمة قول ما يريد قوله هو، لولا الموانع الفنية؟.

نعم نحن نعرف ذلك من تاريخ الروائي مؤلف النص: نعرف أنه كان واحداً من مبعدي مرج الزهور، وأحد قيادات المخيم هناك. أي أنه أحق من غيره بمعرفة الكيفية التي تمارس بها التنظيمات الدينية هيمنتها على أفرادها.  

رابعاًـ1/ب: النص والاستبداد:   

بعد أن صدر قرار مجلس حكماء الدولة الإسلامية بمنع عودة المبعدين على دفعات ـ بما يخالف وجهة نظر الشخصية الرئيسية صابر ـ رأينا خصمه الشيخ تبارك يبادر إلى إجبار الحاضرين على ترديد قسم، وراءه، بضرورة طاعة هذا القرار، باعتباره حكماً سماوياً، المعارض له هو في الحقيقة خارج على (جماعة المسلمين) ودين الله. هنا نقرأ في الهامش التعليق التالي:  

"يحرص الشيخ تبارك على إيراد هذا التعبير، خلال القسم، لما يلقيه من ظلال تختلط في ضمائر المتدينين، مع مصطلح (الخروج على جماعة المسلمين) الشائع في عهود الأمويين والعباسيين. ومعلوم أن مثل هذا الخروج كان يعطي الحاكم الحق في تطبيق حد الحرابة على من يُطلق عليه مثل هذا الوصف: ذلك الحد الذي يقتضي إعمال الآية 33 من سورة المائدة: )إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً: أن يُقتّلوا، أو يُصلّبوا، أو تُقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو يُنفوا من الأرض(. ولئن كانت الخيارات الثلاثة الأولى كلها تفيد القتل أو ما يقرب منه، لقد كان الخيار الأخير (النفي من الأرض) يعني، عند بعض العلماء، القتل كذلك؛ على اعتبار أن النفي يجب أن يكون من كل الكرة الأرضية: أي إلى السماء. وبالمناسبة فإن هذا هو رأي الشيخ تبارك كذلك"( ص91).

هذه أقصى حالات الاستبداد الديني بقوة النصوص. هكذا يريد منطق راوي الهامش أن يقول للمتلقي. إن قوة النص هنا لا تنبع ـ في رأي الراوي ـ من النص نفسه، لا تنبع من كتاب الله، بل من تلك الشحنة التفسيرية، التي يضفيها على النص شخص "يرى أن أفضل شيء حصل له هو انتماؤه لجماعة المسلمين"(ص99) "قصر قامته كان يساعده كل مرة على تمالك نفسه من الوقوع، إضافة إلى الاتساع الطبيعي بين ساقيه"(ص104) و"يمشي مثل فرس النبي"(ص104) "ولو لدغته عقرب في تلك اللحظة لماتت"(ص104).

ولئن رسم راوي المتن هذه الصورة الكاريكاتورية للشيخ تبارك، فلقد جاء دور راوي الهامش، ليرسم صورة كاريكاتورية لمفاهيمه التي يتبناها: تلك المفاهيم القاضية بضرورة قتل كل المخالفين، بأكثر الطرق وحشية، مستعيناً بتاريخية تفسير اخترع ما يسمي بـ(حد الحرابة)، كما نقله لنا الراوي من وعي الشيخ تبارك، في المقتطف السابق.

رابعاًـ1/ج: النص وإعادة الإنتاج:

وتبلغ الصورة القاسية للتشدد الديني مداها الأرحب، في شخصية الشيخ تبارك، حين يعمد راوي المتن إلى إسعاف راوي الهامش بهذه الصورة التعبيرية:

"لا يعلم الغيب إلا الله. ولو علم الشيخ تبارك أن صابر في هذه اللحظة كان يشعر بأنه خارج هذه الجماعة فعلاً، وبأنه كان قد قرر إعلان هذا الأمر فور العودة، إذن لفرح كثيراً، ولحمد الله مطولاً على هذه النعمة، التي أنزلها الله على عباده المخلصين"(ص91 ــ 92).

فيقوم راوي الهامش باستغلال هذا الدعم، لمزيد من هتك حجب مثل هذا النوع من التدين الفادح، قائلاً:

"قبل حوالي عامين، في سجن كتسيعوت، حاول الشيخ تبارك إلزام مجلس الإفتاء، بإصدار فتوى شرعية بتحريم التدخين. وإذ كان صابر مدركاً ما وراء هذه الفتوى، فقد رفض الموافقة: إذ لو تم إصدار الفتوى المذكورة، لترتب على ذلك ليس فقط منع التدخين، وإنما منع إهداء السجائر التنظيمات الأخرى؛ لأن المحرم لا يجوز بيعه ولا شراؤه ولا إهداؤه. ومع ذلك، فبعد يوم واحد من خروج صابر من المعتقل، تم إصدار الفتوى، وازداد اتساع الشقة بين المشايخ والتنظيمات الأخرى"(ص92).

وإذا كان التلقي تقنية إنتاج للنصوص ـ كما تقرر ذلك مدارس ما بعد الحداثة ـ فإن لنا أن نقرأ الآن كيف يستنسخ هذا النص نفسه، ويعيد إنتاج هذه الكاريكاتورية، في هذا المكان من العالم، خصوصاً فيما يتعلق بالتدخين، وموقف المتدينين الآن منه.

رابعاًـ1/د: النص والأيديولوجيا:

نفس الشخص، الشيخ تبارك، يقدمه لنا راوي المتن، بعد صفحات قليلة، يقابل ضحكة السخرية التي يطلقها صابر، بمونولوج داخلي يصور لنا حالة من حالات التداعي الحر في الأفكار، حيث يـ"تذكر أياماً وأماكن كان فيها الناس يخافون من مجرد احتمال تعريضه للغضب". ووسط هذا التيار من الوعي ينظر إلى صابر "بعيون حمراء"، ويتمنى "لو يسأله الأولاد عنه، في تلك اللحظة. إذن، سيوافق على بركة الله"(ص103).

وبعد أن يفعل راوي المتن هذا بالشيخ تبارك، نرى راوي الهامش يبادر إلى إعطائنا لمحة دالة عما كان يعنيه احتمال تعريض هذا المتشدد للغضب، قبل أن يصبح بعيداً عن (أدوات تنفيذ الأفكار)، فيقول معلقاً: "إذ كثيراً ما كان يتم تحويل الأوراق إليه؛ فيشطب أناساً كانوا قبل أيام بين أولادهم يضحكون"(ص103).

ثم يقدم تعليقاً تفسيرياً على عبارة "على بركة الله" هذه، التي سيوافق على قولها الشيخ تبارك لـ(الأولاد). هذا التعليق التفسيري من راوي الهامش يقول: "العبارة المعهودة عند الموافقة على الشطب النهائي"(ص103).

إذن فراوي الهامش يريد أن يقدم لنا صورة عما يمكن أن تقدمه النصوص الدينية للناس، حين تستخدمها الأيديولوجيا. إن مما نفهمه ـ بفضل هذا الهامش ـ أن الشيخ تبارك كان قبل هذه اللحظة مرجعاً دينياً يصدر الفتاوى لـ(الأولاد)!. ويتمنى أن لو تعود هذه الأيام ولو لفترة قصيرة، ليتخلص من خصمه، الذي هو أخوه في الدين والحزب!. إذ من الطبيعي في سياق مثل هذا ـ وبالنظر إلى الزمن الذي تحيل إليه هذه الأمنيات المبتورة ـ أن يذهب بنا الذهن إلى أن هؤلاء الأولاد الذين يتوجه إليهم الخطاب بصيغة (على بركة الله) هم فرق الإعدام الميدانية، في سنوات الانتفاضة الأولى، التي تنفذ الحكم بعد صدوره من الشيخ تبارك!.

رابعاًـ1/هـ: النص والقهر:

ثم يبلغ التحكم، عن طريق استغلال النصوص، حد أن تفرض قلة من المهيمنين كثرة من الخاضعين ـ الذين هم في الأصل إخوانهم في الدين ـ الامتناع عن الغناء البسيط احتفالاً بالعيد. فعندما لا يعود بمقدرة الشيخ تبارك أن يلعب لعبة (بركة الله) هذه، نجده يستعيض عنها بما يسميه راوي المتن: "تبني الفتاوى المتشددة"(ص113)، وبذا تصبح الطريق ممهدة لتدخل راوي الهامش بالتعليق التالي:

"عندما احتفل المبعدون بالعيد، واشترك معهم بعض الزوار من الفلسطينيين المقيمين في لبنان، حيث تجرأ الجميع على ممارسة رقصة الدبكة وهزجوا بالأغاني الشعبية، اعتبر الشيخ تبارك، في حينه، هذه الأفعال مروقاً من الدين... لذا فقد قام بجمع ثلة من أمثاله أو الخائفين منه، ووقفوا يرددون جميعاً في مواجهة المحتفلين المارقين: الله أكبر ولله الحمد. وطبعاً توقف الغناء في مواجهة (كلمة الله)"(ص113).

ها نحن أولاء مقابلة من نوع طريف: إذا غنيت وأراد شخص ما أن يمنعك، فإن باستطاعته أن يفعل ذلك، بشرط أن يرفع الشعار الديني. إنهم لا يكتفون بتحريم الغناء، بل يجعلون الشعار هو التسلية الممكنة الوحيدة في المجتمع!. 

رابعاً/2: النص والهوية:

المقصود بالهوية في هذه السطور هو التعبير الخطابي عن تميز مجموعة ما بما يعطيها نوعاً من الاستقلالية في مقابل الآخرين.

نحن نعرف من واقع الحياة، أن أي جماعة تعاني من خشيتها من الاندماج في الآخرين، لهذا السبب أو ذاك، فإنها تطور آليات دفاع ذاتية، تعتمد على إثارة النزعات العدوانية، كما لو كانت الجماعة تريد بهذا أن تقول لأفرادها: إنهم يستهدفونكم فتجمعوا.

ففي تفسير ذلك نرى في كتاب (المعذبين في الأرض)، أن "الزنجي يعرف أن ثمة اختلافاً، وهو يريده. العبد السابق يحتاج تحدياً لإنسانيته؛ ففي غياب مثل هذا التحدي ـ وكما يساجل فانون ـ لا يمكن للمستعمَر إلا أن يحاكي ويقلد"(5).

الأقلية تبحث عن التميز. الأقلية ضعف. والتميز قوة، لأنه يوضح هوية الذات. من هنا تستخرج الأقلية من ضعفها قوة. المتشددون في كل مجتمع قلة، لكن تأثيرهم لا يعتمد على أقليتهم، بل على تميزهم و(تقنفذهم) في مواجهة الأكثرية. بهذا يصبحون عدوانيين أكثر، متشددين أكثر، رافضين للآخر أكثر. وخلال مسيرتهم، كثيراً ما تراهم ينقلبون على أي فرد من أفراد جماعتهم تُشتَمُّ منه رائحة الاعتدال، لأن الاعتدال يعني العودة إلى الأغلبية، إلى المجتمع. وفي هذا شهادة ضد مفهوم التشدد.

ولأنهم يشعرون بأنهم يستمدون وجودهم من الآخر ـ إذ لا بد للآخر من الوجود، ليستشهدوا بوجوده على وجودهم، كما يساجل فرانز فانون ـ تراهم مدركين في أعماقهم أنهم مجرد وجود غير مؤصل، وجود من الدرجة الثانية. وإن مثل هذا الوعي لشديد التحريض!. دعونا نرى كيف يتجلى ذلك في استشهادهم بالنص الديني، كما يراه راوي هامش عين اسفينه.

رابعاًـ2/أ: الهوية والحس العدواني:

كنا قد رأينا، مراراً، كيف يقدم راوي المتن إشاراته التحريضية لراوي الهامش بضرورة التدخل. ها هو الآن يفعل الشيء نفسه، في هذا المشهد من محكمة العدل العليا الإسرائيلية بالقدس:

"أشارت الساعة إلى العاشرة تماماً، ففُتح الباب. ودخل رجال الشرطة في سرعة صامتة. وتوقفت محامية الدفاع عن العبث بالأوراق. وكف ممثل الادعاء عن التهامس مع الآخرين. وسُمع صوت المنادي يدعو إلى الوقوف. فوقف الجميع، باستثناء شخص أو شخصين من أصحاب اللحى العظيمة"(ص25).

يجب ملاحظة أن الراوي هنا يجعل الشخص، الذي لم يقم احتراماً لهيئة المحكمة، صاحب لحية عظيمة!. كأن اللحية قرينة التشدد، فما بالك إذا كانت عظيمة!. لكن بما أن راوي المتن هو من يقول ذلك، فإننا لن نبحث في مدلولات ذلك أكثر، لأن مهمتنا في هذا البحث مقصورة على استكشاف الهامش فحسب.

فماذا يقول راوي الهامش تعليقاً؟. إنه يقول:

"يختلف المشايخ في جواز الوقوف للقادم من عدمه؛ ويروون في ذلك حديثين متناقضين في الظاهر: الأول قوله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يمتثل له الناس قياماً، فليتبوأ مقعده من النار). والثاني دعوته أصحابه إلى الوقوف تعظيماً لسعد بن معاذ عندما دعاه ليحكم في بني قريظة، إذ قال صلى الله عليه وسلم: (قوموا لسيدكم). مع أن الواضح هاهنا أن الحديث الأول ينهى عن التكبر لا عن الوقوف"(ص25).

النص النبوي في أصله لا يوحي بتحريم الوقوف، كما نرى من تعليق الراوي، رغم أن ظاهره يوحي بذلك. فما الذي يحمل أصحاب اللحى العظيمة على القول بتحريم الوقوف؟. واضح أن ما يدعو إلى ذلك هو الرغبة في التميز عن الآخرين، كأنهم يقولون ها نحن أولاء نقول ما لم تسمعوا من قبل، فانتبهوا إلينا. يستوي في ذلك أن يكون المقصود بالخطاب هو العدو المباشر ـ كاليهود في الرواية ـ أو العدو غير المباشر، وهو كل من لا يقول برأيهم.

إن حساسية الهوية عالية هنا لكل ثقافة مغايرة، إننا أمام ثقافة مستنفرة (متقنفذة) مثل أي ثقافة تشعر بالاغتراب وسط المحيط. في مثل هذا الوسط تنتج الثقافة المهدَدة وعيها بما ينبغي عليها فعله، وما ينبغي عليها الامتناع عنه. أو ـ كما يقول إرخ أورباخ ـ "تتعامل بحس عدواني، لصالح الأمة والوطن والجماعة والانتماء"(6).

رابعاًـ2/ب: الهوية ورموز الجماعة:

حتى العلم الوطني لا يعود رمزاً للأقلية، الراغبة في تأكيد هوية من نوع آخر. ومن هنا فإنها لا تلجأ إلى رفعه إلا رياءً، أو رغبة في تأجيل المواجهة، إلى اللحظة التي تحددها هي. وقد رأينا احتفال المبعدين، الذي يخطب فيه أحد رموز جماعتهم، من البرلمانيين القادمين للزيارة والتشجيع. لقد رأينا هذا الاحتفال يرفع العلم الوطني، وراء ظهر الخطيب المفوّه، ثم يبادر إلى نزعه فور انتهاء المناسبة، وانصراف الزوّار.

يقول راوي المتن:

"وفي نهاية الحفل، قام الناطق بطيّ العلم الذي كان معلقاً وراء الخطيب وأعطاه لصابر"(ص168).

فيتلوه راوي الهامش:

"إذ أحب صابر أن يرفعه فوق خيمته. وكان هو العلم الوحيد الخاص بفلسطين في المخيم، إذا استثنينا الأعلام الخضراء والسوداء الكثيرة المعلقة على كل الخيام. ولا جرم، فعلم فلسطين ـ بحسب بعض المشايخ ـ ليس رايةً إسلامية"(ص168).

وبتأمل قليل سوف نلاحظ أن تعليل راوي الهامش، لهذا العمل من المتدينين، هو تعليل تحريضي. ويكفي تأمل العبارة الاعتراضية في النص (بحسب بعض المشايخ) لندرك أنه يريد لنا أن نفهم أن هؤلاء هم مجرد قلة، حتى في وسط المتدينين: قلة مهيمنة ومتنفذة ولها أغراض خاصة، لا تلتقي دائما بمصالح الوطن. هل هناك أيلغ من مثل هذا التحريض!.

رابعاًـ2/ج: الهوية والپارانويا:

وربما أحال نص الهامش أحياناً إلى أكثر من تعيين، كما نرى في هامش الصفحة 66. ولكن قبل فحص الهامش، دعونا نلقي نظرة على ما يقوله راوي المتن، في وصف شخصية الزير سالم:

"ورغم أن شهادته العليا، في الحديث النبوي الشريف، صادرة من جامعة صحراوية تَدَيُّنها شديد القسوة، إلا أنه يملك جرأة نادرة تتيح له تشذيب لحيته البيضاء وتسويتها، بشكل جميل لافت. توحي الحمرة المتوهجة في خديه، بأنه قد أحسن تغذية نفسه. ويوحي اختياره لزوجتين تحته بأنه لا يضيع وقته سدى"(ص168).

هكذا يقول الراوي في وصف الزير سالم، فهو:

1ـ من ناحية أولى، متوائم مع ثقافة الجماعة، حتى إنه يصر على إحياء لغتها الخاصة، التي لم يعد أحد يستخدمها سواها. نرى مثال ذلك في إحيائه للتعبير القديم المستهلك (تحتي زوجتان)، وتعليق راوي الهامش على ذلك بقوله: "هذا التعبير مقتبس عن الزير سالم نفسه؛ حيث يحرص عند التعريف بنفسه، وبعد ذكر الدرجات الجامعية، على القول بوقار مؤثر: تحتي زوجتان"(ص168).

2ـ لكنه ـ من ناحية ثانية ـ يتجرأ على مخالفة الرأي السائد في جماعته وجامعته، فيشذب لحيته، وسط محيط ثقافي لا يحبذ ذلك. والذي يشي لنا بهذا التمرد الثقافي هو راوي الهامش حين يقول معلقاً على تشذيب اللحية الذي يمارسه الزير سالم: "متحدياً النصوص التي يوردها آخرون، حول منع الأخذ من اللحية بتاتاً، حتى ولو وصلت الأرض طولاً، وملأت ما بين الكتفين عرضاً، معللين ذلك بأنه يرهب أعداء الله"(ص168).

نحن هنا بين تعينين مختلفين للهوية: أحدهما يؤكد الذات الفردية في مقابل الجماعة ذات الثقافة المحددة، وثانيهما يؤكد على تماهي الذات الفردية في الجماعة. نحن هنا في مواجهة نوع من ازدواج الشخصية. الذات تحاكي وتتمرد في آن.

"لقد سبق للمحللة النفسانية آني رايش أن أوضحت ذلك على نحو ممتاز، حين قالت: إنها المحاكاة: حين يمسك الطفل بالجريدة مثل أبيه [من جانب] وهو تعيين الهوية حين يتعلم الطفل القراءة [من جانب آخر]. ففي إنكار شرط الآخر المتباين ثقافياً، القائل: صر مثلنا أو اختفِ، يرى المضطَهَدُ نفسه واقعاً في شراك تجاذب التعيين البارانوي للهوية، مترجحاً بين استيهامين: جنون العظمة وجنون الاضطهاد"(7).

1ـ فالزير سالم ـ من جانب أول ـ يعاني من الاضطهاد، الذي تفرضه مفاهيم جماعة ينتسب إليها، وتمنعه من أن يكون جميلاً (اللحية الفادحة)، فيواجه ذلك بالإصرار على أن يكون جميلاً، فيأخذ من لحيته، على الضد من مفاهيم الجماعة.

2ـ لكنه ـ من جانب آخر ـ لا يزال في مواجهة اضطهاد مقابل من المجتمع الأوسع، المجتمع الذي يرفض جماعته. ومن هنا يجد نفسه، مرة أخرى، يعود إلى تبني ثقافة الجماعة، معبراً عن ذلك باستخدام لغتها الخاصة (تحتي زوجتان).

هكذا هو التعيين البارانوي للهوية: تعيين مزدوج ومتصادم.

لكننا ـ بتأمل بسيط ـ يمكن أن نكتشف أن بإمكان هذا التعيين أن يجد راحته في هذا الازدواج: راحته الشخصية إذ يجد فيه نوعاً من التنفيس عن الكبت الجنسي. هنا كذلك تظهر قوة الليبيدو في تعبير (تحتي زوجتان) فلا شك أن هذا التعبير في الحقيقة ليس مجرد تعبير ثقافي فحسب، بل هو كاشف لضغط المكبوت حين يعبر عن نفسه باللغة. والإيحاء الجنسي في العبارة لا يخفى.

إذن فلدينا هنا تشابك معقد، يحيل إلى ذلك الصراع القائم داخل الذات، بين عدد من النوازع العميقة: التميز والتفرد والجنس، الأمر الذي يبرر المحور الثالث من هذه الدراسة.

رابعاً/3: النص والليبيدو:

لقد علمنا من فرويد "أن اللبيدو (Libido) شبيهة من كل الوجوه بالجوع: فكما أن الجوع هو القوة التي تعبر بها غريزة التغذية عن نفسها، كذلك الليبيدو هي القوة التي تفصح بها الغريزة الجنسية عن نفسها"(8). و"الليبيدو قوة يفزع منه الأنا، ويغالبها بالكبت"(9).

ونحن نعلم من فرويد كذلك أن اللاشعور ـ باعتباره خازن النوازع المكبوتة ـ يفصح عن نفسه من خلال أمرين: الأحلام والأدب. فلنتأمل النصوص الآتية:

رابعاًـ3/أ: الليبيدو كقوة فاضحة:

لا تتأخر قوة الليبيدو عن الظهور منذ الصفحات الأولى من الرواية: فبمجرد أن تظهر أمام عين الراوي ـ المتلصص من تحت عصابة العينين ـ مجندات يحملن أكياس الطعام، يبادر راوي الهامش إلى إسناده بالتعليق التالي، كما لو كان منتظراً:

"لماذا كان على المجندات أن يبدون على مثل هذا القدر من الجمال، مع أن مهمتهن هي الحرب أو المساعدة على الحرب!. وهل المساعدة على الحرب تقتضي ارتداء فساتينَ قصيرةٍ وقمصانَ تضغط على الصدور بهذا الشكل المتوحش!.. وهل المساعدة على الحرب تقتضي أن يلقين شعورهن وراء ظهورهن هكذا، كأن لا أحد من خلق الله يمكن له أن يصاب بالجنون من كل ذلك!.. سبحانك، هذا بهتان عظيم!"(ص19).

إن راوي الهامش هو الذي يقدم لنا هذا الوصف، للمجندات الإسرائيلية. فمن أين ينطلق هذا الخطاب؟. إنه ينطلق هنا من وعي المكبوتين، وعي المقيدين المتدينين، بما هو معروف عنهم من شدة التوق إلى النساء، خصوصاً في مثل هذا الموطن. إن المنطق المضمر لهذا الخطاب يقول: إن كل واحد من هؤلاء المقيدين، المعصوبة عيونهم، كان سيقول شيئاً مشابهاً، فيما لو قدر له أن يسترق النظر من تحت العصابة السوداء. إن الراوي ـ الذي يحمل وعي شخصية غير كاملة ـ هو الذي يقول نيابة عنهم.

هنا تكف لغة الراوي عن الاحتفاظ بشكل الحياد، فالكلمات المحايدة لا تنتمي في العادة لأحد. أما هنا فرغم أن الكلمات تنتمي ظاهرياً للراوي، إلا أنها في الحقيقة مسندة بالعديد من النوايا (غير البريئة): فالكلمات هنا تستحضر نزعة مكبوتة، لدى أشخاص يبالغون في التخفي والإنكار، ثم تهتك سترهم الشفيف، وتظهر ما هو مخبوء من تحته(10).

يعمد الراوي هنا إلى نوع من تشويه خطاب الضحية: والضحية هنا هم هؤلاء المقيدون الذين تُسلب منهم كلماتهم، وتُقدم نيابة عنهم؛ لكنها لا تُقدم كما يرغبون في الحياة الواقعية، بل يقدمها الراوي، على شكل مونولوج، يهدف إلى الإيحاء بأنه خارج من أعماقهم، وهو في الحقيقة مصوغ نيابة عنهم. والذي صاغه هو الراوي، بدل أن يدعهم يتكلمون بألسنتهم!.

تقع إعادة تكوين خطاب المتشددين ـ على يد راوي الهامش ـ في نعت خطاب المونولوج لشكل الصدر الناهد المضغوط بـ(المتوحش)، ثم هذا العتاب المُوَلّهِ الممرور لهذا الجمال، بما يسببه من عذاب وجنون لـ(خلق الله)!. فلا يعاتب بهذه الطريقة إلا متنسك فاشل بلغة نيتشه.

والسؤال هو: ماذا كان سيقول هؤلاء المتشددون فيما لو أتيح لهم أن ينشئوا خطابهم، ويعلنوا موقفهم بشأن صدر المجندة الناهد؟. لا شك أن ذلك الخطاب سيكون خطاب اللعن، لعن السفور خصوصاً إذا ما اقترن بالكفر، كما هو حال اليهودية.

ولأن الراوي يعرف هذا يقيناً، فقد قام باستغلاله وتحويره مستخدماً بعض كلماته (الشكل المتوحش، هذا بهتان عظيم) ليحمله مدلولات أخرى معاكسة. يريد الراوي أن يقول لنا: انظروا إلى هؤلاء الذين يلعنون السفور فيما هم يشتهونه ويتمنونه!. الأمر الذي يذكرنا كم هو حديد الذهن نيتشه حين قال ذات مرة في مثل هذا النموذج من البشر:

"كل السمات الخبيثة التي تم التكلم بها ضد الشبقية، لم تكن من طرف الواهنين، ولا من طرف المتزهدين؛ بل من طرف المتزهدين الفاشلين، من طرف أولئك الذين كانوا بحاجة لأن يكونوا نساكاً"(11).

هكذا يتسلل راوي الهامش إلى وعي المتزهدين الفاشلين، لفضح ما يعتقد أنها مكبوتاتهم العميقة. إنه يصور الجمال بوعي دنيوي بحت، ثم ينسبه للمتدينين المتشددين، ليتمكن من أن ينتزع منهم الحق في احتكار إصدار الأحكام الأخلاقية.

رابعاًـ3/ب: الليبيدو والفتوى:

بعد صفحة واحدة فقط، وخلال نفس المشهد في الحافلة، وبعد أن سُمع صوت المجندة المنادية بالطعام، نسمع الراوي ـ المرافق للمعتقلين المقيدين المعصوبة عيونهم ويعانون من منعهم من التبول ـ يقول:

"أخيراً تمزق الصمت.. كل شيء يحدث هو أهون من السكون... حتى الاحتقان الناري بين الحقوين لم يبدد الصمت.. بدده صوت المجندة المفاجئ"(ص20).

وعلى الفور يستجيب راوي الهامش لهذا التحريض المتقن، فيعلق في أسفل الصفحة بهذه الطريقة:

"وبما أن الصوت كان مموسقاً مغناجاً فقد بدا الواقع الحي أقل قسوة وأكثر استجابة لمثل هذا التدخل"(ص20).

هو ذا راوي الهامش لا يدع فرصة إلا ويستغلها في سبيل تسليط الضوء على هذه الأمكنة المعتمة من وعي الشخصيات. كان الصمت والاحتقان هما السيدان، لكنهما تراجعا أمام صوت المجندة المغناج، وحل محلهما الأمل.

هنا يبدو راوي الهامش أقل انحيازاً، منه في المثال السابق. وطبعاً نحن نعرف أن هذه لغة ماكرة منه. إنه الآن لا يعيد صياغة خطاب المشايخ، بل يرصد وعيهم المخبوء وراء الصمت. وفي هذا الرصد يكمن الانتقاد الأيديولوجي: إنه ينتقد أحكامهم الفقهية، باعتبارها مجرد موجهة للاستهلاك الخارجي فحسب. يقدم الراوي لنا هنا خطاباً ظاهراً، وهو متأكد أننا لن نقرأ إلا ما هو مضمر وراءه. ظاهر الخطاب نحن نعرفه، وهو الذي يقول: (وبما أن الصوت كان مموسقاً مغناجاً فقد بدا الواقع الحي أقل قسوة). لكن مضمره ـ والمضمر كما هو معروف أشد تأثيراً من الظاهر ـ يريد أن يقول: إن مصدر الأحكام الفقهية عند هذه الفئة من الناس هو عقدهم النفسية، لا النصوص: فما النصوص إلا مادة للهيمنة فحسب. إن هذا التوله الجنسي هو الذي تصدر عنه الفتاوى بتحريم صوت المرأة. إنهم يعلمون أن النساء كن يتكلمن في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأمام الصحابة، ولكنهم يشعرون أن هذه الأصوات المموسقة التي يسمعونها من نسوة هذه الأيام لا تشبه تلك الأصوات، ومن ثم فإن على الحكم أن يتغير.

رابعاًـ3/ج: الليبيدو والإسقاط: 

أما في هامش الصفحة 65، وتعليقاً على ما قرره الشيوخ (أولو العزم) من منع أيٍّ من المبعدين من مجاوزة حدود (الدولة الإسلامية)، فنتأمل مع الراوي الصورة التالية:

"في الحقيقة أن الصحفيات الجميلات ببناطيلهن الضيقة وشعورهن الشقراء، هن اللائي كن وراء مثل هذا القرار الحكيم: فلا شك أن تقافزهن بين صخور الوادي، بين الشبان، وتوقفهن المستمر لإزاحة الشعيرات المتطايرة، حول وجوههن الحمراء اللاهبة، لم يكن ليمر هكذا مر الكرام، تحت عيون الحكماء الدهريين الذين أدركوا في اجتماعهم المبكر، في الخيمة على الطريق، أن هذا الأمر جد خطير؛ خصوصاً عندما شعر كل واحد منهم، بمدى الدفء الذي يشيعه استذكار هاته الغزلان الملائكية، في أطرافه. فاقترعوا مقررين أن ثمة خطراً وراء الوادي يتهدد الشبان الصغار، بفعل فتيات كهؤلاء في الأماكن المحيطة. لذلك فلا ابتعاد عن حافة الأرض الشمالية، مهما كان السبب"(ص65).

وهكذا لا نجد أنفسنا هنا في مواجهة الكبت فحسب، بل الإسقاط كذلك: إن المهيمنين لا يكتفون بكبت شهواتهم المقموعة، بل ينسبونها إلى غيرهم ويحكمون بها عليهم. وقد علمنا منذ فرويد كيف يتنكر المريض لرغباته المكبوتة، أمام التحليل، وينسبها إلى غيره، إمعاناً في الهرب(12).

أرأيتكم كم هي قاسية علاقات القوة هنا؟. إن راوي الهامش هنا يريد أن يقول لنا بأن المهيمنين لا يتورعون عن إلحاق الأذى بالآخرين، لا لشيء إلا لأن خيالاتهم أمرتهم بهذا!.

وفي الحقيقة فإننا لا ندري من هو الأكثر قسوة هنا: أهي الشخصيات الورقية التي اصطنعها الروائي، واستخرج من وعيها ـ ونسب إليها ـ خطاباً يستدعي كل هذه الأمراض، أم هو نفسه حين عمد إلى هذا النوع من البشر، ثم صنع له معادلاً موضوعياً، وحمّله كل هذه الصفات المذمومة؟!. ألا يستدعي هذا نيتشه مرة أخرى، ويذكرنا بعبارته المشهورة: "النصوص وقائع سلطة، لا وقائع تبادل ديموقراطي"(13)!.

فليت شعري هل ترك الراوي هنا لخصومه الورقيين ـ أو لمعادلهم الموضوعي في الخارج ـ من فرصة للتنكر لما ينسبه إليهم، أو للرد بالمثل!. لعلنا هنا في مقابل علاقة قوة من نوع مقلوب!.

رابعاًـ3/د: الليبيدو والإعلاء:

شكل آخر من أشكال استخدام النصوص كإرادة لفرض السلطة، نصادفه في شخصية الشيخ ذياب، الذي ظل مرافقاً للشخصية الرئيسة صابر، منذ الرواية الأولى (قفص لكل الطيور) يقدمه راوي الهامش بالصورة التالية:  

"على العكس من الشيخ تبارك المتردد أحياناً، كان الشيخ ذياب حاسماً، يعرف ذلك منه أنصاره؛ فقد تعود على الوقوف في وجه هذه الفتن بقوة، حيث يعمد إلى تحذير الصحفيات الجميلات من مغبة مشيهن حاسرات متبرجات وسط المخيم، مشيراً إلى أن لديه شباناً يفكرون في رشقهن بحامض الكبريتيك، أو حلق رؤوسهن... وبعد ذلك صارت الصحفية الأمريكية كلما مرت من أمام الشيخ ذياب تلاطفه وتضاحكه حتى نسي الحجاب والتبرج وحامض الكبريتيك"(ص99).

إنه شكل الأخلاقي المعاني من العذاب لسببن: لأنه يعاني من رغبة ممضة في فرض أخلاقه الخاصة على الآخرين أولاً، ثم لأنه يعاني من نوع من الكبت الجنسي الذي لم تستطع الرياضة التقليدية استبداله بنوع من الإعلاء والتسامي الفرويديين(14).

هو ذا الكبت يتبدى في أعلى صوره وأكثرها فضائحية: تعرف ذلك الصحفية الأمريكية، فتداريه وتلهيه بأُلْهِيَةٍ طفلية، تعرف أنها تكفي هؤلاء، ولو بصورة مؤقتة.

لكن السؤال هنا هو: من هو ذلك الذي سلط الضوء على كل هذا؟. من هو الذي اختلق هذا؟. لا ريب أننا أمام قصاص واسع الاطلاع ومتمكن من أدواته.

رابعاًـ3/د: الليبيدو وتحدي النص:

ويكاد خطاب راوي الهامش يبلغ الدرجة القصوى من العمق والفضائحية، حين يقدم لنا الشيخ تبارك بصورة المتحالف المؤقت مع الشيطان!. يفعل راوي الهامش ذلك، بعد أن يعطيه الإشارة بذلك راوي المتن. فلنرَ أولاً ما قاله راوي المتن في معرض حديثه عن الشيخ تبارك:

"كان موشكاً على المغادرة، عندما أغراه إبليس بالتوقف.. قال له بأن يتابع الأمر عن كثب، لأن الذهاب لن يجدي.. تنبه الشيخ تبارك إلى الوساوس الشيطانية، التي خبرها مطولاً، وكاد أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم. لكنه في اللحظة الأخيرة توقف: أشفق من ذلك، وخشي أن يخسر كل شيء"(ص101). 

هكذا حدث: شعر الشيخ تبارك بالإثارة الجنسية، حين تأمل الصحفية الأمريكية وهي تتضاحك مع الدكتور عزيز، فقرر أن يتعالى على غريزته ويغادر. لقد خاض صراعاً مع غريزته التي لا يسميها ـ ونحن نعرف أن التسمية أعلى درجات الاعتراف ـ وينسبها إلى فعل خارجي هو إبليس. لكن غرائزه تنتصر على ثقافته، تنتصر على دعاواه الخارجية وادعاءاته المتشددة، الأمر الذي يعطي الفرصة لراوي الهامش أن يقدم التعليل التالي:

"لو استعاذ الشيخ تبارك بالله من الشيطان الرجيم فسوف يذهب. وإذا ما ذهب الشيطان فسوف تذهب هذه الفتاة، أو تذهب فتنتها. وهذا ما يخشاه الشيخ تبارك مؤقتاً: لأنه يفضل بقاءها واستمرار مراقبته لهذه التجاوزات التي يحدثها أناس ينتمون إلى المشايخ. لقد اقنع نفسه أخيراً بأنه في مهمة مقدسة"(ص101).

إذن فكثير من المهمات المقدسة، التي نراها ونسمع بها على أيدي البعض من هؤلاء، هي مجرد نوازع، أو حاجات خاصة، تتزيا برياش الدين والنص الديني!. أليس هذا هو المضمر الأعمق لخطاب راوي الهامش؟. 

رابعاًـ3/هـ: الليبيدو وتحولات الراوي:

راوي الهامش هو كذلك يستخدم النصوص كإرادة قوة، ولا غرابة في هذا، في نص يطفح بكل هذه العلاقات: إنه في نفس الوقت يعارض النص بالنص. لقد رأينا في السابق كيف صور الشيخ ذياب في صورة المعاني من الكبت الجنسي، وغير القادر على التحرر منه بالتسامي. ولئن ساير راوي المتن صديقه راوي الهامش في ذلك، فقد أتيح له الآن أن يعضد من هذه الصورة، باقتحام أعماقه ـ وقد ضبطه متلبساً بالتقرب من الأربعينية الشقراء ـ ليقدم لنا من خلالها هذا التداعي الحر:

"كان صوتها مثل الغناء، يداعب أوتار القلب، ويشفي أشد المتشددين: من قال أن الغناء حرام!.. أبو حامد الغزالي قال إنه حلال.. الشيخ شلتوت قال إنه حلال.. الشيخ القرضاوي قال إنه حلال.. يجب أن يكون المرء حماراً ليقفل قلبه عن مثل هذه الموسيقى. أحس بالفرح مثل طفل غرير، إلى درجة أنه صار يسائل نفسه ويراجعها، باحثاً عن الرخص، متشككاً في صحة الأدلة التي قام عليها تحريمه السابق"(ص175).

ويلتقط راوي الهامش هذه الإشارة، ليتدخل بنقل النصوص، حيث يورد التعليقين الآتيين:

1ـ التعليق الأول: "قال الشيخ حسن العطار، شيخ الجامع الأزهر في أوائل القرن التاسع عشر: من لم يتأثر برقيق الأشعار، تُتلى بلسان الأوتار، على شطوط الأنهار، في ظلال الأشجار، فذلك جلف الطبع حمار. الفتاوى. للشيخ محمود شلتوت"(ص175).

2ـ التعليق الثاني: قال ابن حزم: "وكل ما ورد في تحريم الغناء، فهو إما أن يكون صحيحاً غير صريح، أو صريحاً غير صحيح. المحلى"(ص175).

يمكن القول بأن راوي الهامش ينطلق من وعي المحكومين، فيما ينطلق وعي الشخصية (الشيخ ذياب) من وعي المهيمنين ـ الرواية على طولها تقول هذا ـ الذين سبق لهم أن حددوا قواعد السلوك، استناداً إلى النصوص. يعرف هذا راوي الهامش ويستغله ويستخدمه، ويقدم لنا نصين مضادين لشخصية الشيخ ذياب الأصلية، بهدف دعم هذا التناقض الطارئ الذي فرضته الرغبة الجنسية عليه. كأن راوي الهامش يريد أن يقول لنا: هنا فقط يستدعي الليبيدو ـ القوة الكامنة المستبدة ـ ما يخالف ظاهر الشخصية، إذ تتذكر جمال الغناء وتختار إباحته، فيما يوحي ظاهرها بعكس ذلك!.

وفي استخدام راوي الهامش لهذا المنطق في الحوار مع الخصم، يمكن لنا ملاحظة أنه هو كذلك يواجه السلطة باستخدام النصوص: لعبة متبادلة لا تدعنا نعرف من هو المستفيد الأكبر من مثل هذا الاستخدام: هل هو الشيخ ذياب المتشدد المتخفي، أم هو هذا الراوي الذي يشف عن المؤلف المدني الذي نعرفه ويحمل اسم الدكتور خضر محجز؟. وليت شعري هل كان الشيخ ذياب يدرك أنه سيقع لا محالة بين مخالب خصم يملك كل هذه القدرة على استحلاب منطقه المفضل معتصراً منه ما يضر خالقه الأول!.

يقول جيمس سكوت:

"إن الأسس التي ينبني عليها الزعم بالحق في الامتيازات أو السلطة، هي التي تخلق الأرضية التي ستقوم عليها الانتقادات الموجهة ناحية فعل السيطرة، وذلك بناءً على القواعد التي كانت النخبة هي التي سبق لها أن حددتها"(15).

النتائج:

بعد كل ما سبق، يمكن لنا الاستنتاج بأن هوامش رواية عين اسفينه كانت ذات أثر لافت، في إغناء الرواية، بالكثير من الدوال الثقافية والمعرفية، التي لولاها لجاءت الرواية في شكل آخر، ربما لن يبلغ ما بلغت إليه في شكلها الحالي.

ولقد قررنا ابتداءً ـ ونقلنا ذلك عن المختصين ـ أن فن الرواية الحديثة ـ ككتابة تخييلية ـ يتميز بمرونة كبيرة، تتيح له توظيف العديد من التعبيرات والتقنيات المستمدة من عالم الكتابات اللاتخييلية. والهوامش جزء من  هذا العالم.

ولقد أتاح لنا التعمق في تحليل نصوص الهامش، في الرواية مجتمع البحث، أن نلقي بعض الأضواء الكاشفة، على التناقضات العميقة داخل ذات الشخصيات، المنتمية إلى عالم الأقليات الثقافية، بصفتها مهيمنة، وبصفتها خاضعة ـ مهيمنة بالنص على الآخرين، وخاضعة بالنص للآخرين ـ الأمر الذي يعني أن حياة النص مقدمة في الغالب على حياة الفرد لدى هذا النوع من الثقافات الغيبية.

من ناحية أخرى يمكن القول بأن كشف هذه التناقضات، داخل النص الروائي، قد أدى في نهاية المطاف إلى تحليل أعمق للفرد داخل هذا النوع من التجمعات، إن في معاناته النفسية والجنسية، أو في تعيينات هويته، حتى داخل النصوص الدينية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإحالات:

*خضر محجز. عين اسفينه. ط1. منشورات اتحاد الكتاب الفلسطينيين. غزة. 2005

1ـ ميلان كونديرا. فن الرواية. ترجمة بدر الدين عرودكي. ط1. الأهالي. دمشق. 1999. ص13

2ـ ميخائيل باختين. الخطاب الروائي. ترجمة محمد برادة. ط1. دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع. القاهرة. 1987. ص88

3ـ خضر محجز. إميل حبيبي: الوهم والحقيقة. ط1. قدمس للنشر والتوزيع. دمشق وبيروت. 2006. ص70

4ـ انظر: ياكوب باريون. ما الأيديولوجيا. ترجمة أسعد رزوق. عرض ومناقشة سعيد المصري. فصول (القاهرة). ع3. 1985. ص165 ــ 166 

5ـ هومي. ك. بابا. موقع الثقافة. ط1. المجلس الأعلى للثقافة. المشروع القومي للترجمة. القاهرة. 2004. ص133

6ـ انظر: إدوارد سعيد. العالم والنص والناقد. ترجمة عبد الكريم محفوض. اتحاد الكتاب العرب. دمشق. 2000. ص13

7ـ هومي. ك. بابا. المصدر السابق. ص134

8ـ سيجموند فرويد. محاضرات تمهيدية في التحليل النفسي. ترجمة: أحمد عزت راجح. مراجعة محمد فتحي. مكتبة الأنجلو مصرية. القاهرة. دون تاريخ. ص345

9ـ سيجموند فرويد. تفسير الأحلام. ترجمة مصطفى صفوان. مراجعة مصطفى زيور. ط5. دار المعارف. القاهرة. دون تاريخ. ص214

10ـ انظر: ميخائيل باختين. المصدر السابق. ص63

11ـ فريدريك نيتشه. أفول الأصنام. ترجمة حسان بورقية ومحمد الناجي. ط1. أفريقيا الشرق. الدار البيضاء. 1969. ص37 

12ـ انظر: جان لابلانش و ج. ب. بونتاليس. معجم مصطلحات التحليل النفسي. ترجمة مصطفى حجازي. ط3. المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع. بيروت. 1997. ص70

13ـ انظر: إدوارد سعيد. العالم والنص والناقد. المصدر السابق. ص45

14ـ انظر: جان لابلانش وج. ب. بونتاليس. المصدر السابق. ص174 ــ 175

15ـ جيمس سكوت. المقاومة بالحيلة. ترجمة إبراهيم العريس ومخايل خوري. ط1. دار الساقي. بيروت. 1995. ص133