إيناس حسني




سجلها شاعر المبعدين إلى مرج الزهور


إميل حبيبي رؤية مختلفة في رسالة دكتوراه





الخليج الإماراتية. 15/3/2007



الكتاب الذي بين أيدينا هو نموذج جديد للصراع، أو لنقل: الحوار، الداخلي الفلسطيني، حول قضايا تاريخية أساساً، إذ يتناول بالبحث السياسي والثقافي، شخص الأديب الفلسطيني إميل حبيبي ومواقفه من القضية الفلسطينية، وقبل التعامل مع محطات الكتاب من الضروري لفت انتباه القارئ إلى أن المؤلف، د خضر محجز باحث ومناضل قضى سنين عديدة في السجون الإسرائيلية، وكان من ضمن مجموعة المناضلين الذين أبعدتهم إسرائيل إلى مرج الزهور في لبنان، حيث اشتهر وقتها بصفة (شاعر المبعدين).


المؤلف، الذي يعمل إلى الآن في وزارة الثقافة الفلسطينية في مدينة غزة، كتب المؤلف كرسالة دكتوراه قدمها لمعهد البحوث والدراسات العربية، المنبثق عن جامعة الدول العربية، بعنوان: "البنية الثقافية في كتابات إميل حبيبي"؛ بإشراف الدكتور صلاح فضل، وتمت مناقشتها، بمقر المعهد في القاهرة، في السادس من يونيو/ حزيران عام 2006 بمشاركة هيئة المناقشة، التي أوصت بطباعة الرسالة، التي نالت درجة الامتياز مع مرتبة الشرف الأولى، وتعميمها للتداول في الجامعات العربية كافة.


وتحدث المؤلف عن نفسه بالقول "ناشط سياسي سابق، وغير مؤمن بالعولمة، ولا بالحداثة، ولا بالماركسية، ولا بالليبرالية الجديدة ولا القديمة، ولا بالإسلام السياسي، ولا بالديمقراطية، ولا بالدكتاتورية، ولا بالشورى على طريقة حماس، رغم انتمائي السابق لحماس، وكفاحي ضد العدو الصهيوني في صفوفها، طوال عقد ونصف العقد من الزمان.


موظف بقرار فوقي.. وغير قابل للترقي مهما حدث، وذلك لأن الوزير الفتحاوي يعتبرني حمساوياً متخفياً في فناء بيته، والوزير الأمريكي يعتبرني مجنوناً يستحق أن يحجر عليه في مصح عقلي، لأنني مصر على أن فلسطين لا تتسع لشعبين، في حين أن الوزير الحمساوي يعتبرني منشقاً عن طائفة أهل الحق ومنافقاً يتوظف بقرار عرفاتي".


ويقول أيضاً: "أنا مرابط في الوزارة على درجتي، لا أغادرها، ليصبح من كان مرؤوساً لدي، رئيساً عليّ، حتى وأنا دكتور".


قسم الكاتب مؤلفه الموسع إلى سبعة أقسام من بينها مقدمة وملحق، وبدأ بحثه بخطة البحث حيث ناقش مجموعة من القضايا النظرية الصرف ذات العلاقة بالموضوع، ومنها ما هو "في البنية الثقافية" و"علاقة البنية التاريخية بالتاريخ" إضافة إلى عرض منهجية بحثه وآليته.


وهنا يقول الباحث إنه سيدرس كتابات إميل حبيبي، "باعتبارها ظاهرة ثقافية، تشير إلى ما تحقق في لاشعور النص، ثم ما يتوخى هذا النص إشاعته في الحياة العامة لمجتمعه، من قيم وأيديولوجيا وسلوك وأخلاق وطرائق تحليل.. فالنقد: فن الحياة؛ كما تقول الدكتورة هدى وصفي".


أما مشروع النقد الثقافي، بحسب الكاتب، فإنه يسعى للتعامل مع النصوص الأدبية، من خلال إعادة وضعها داخل سياقها السياسي والاجتماعي الذي أنتجها، لأن النص علامة ثقافية، بالدرجة الأولى، قبل أن يكون قيمة جمالية، وهذه العلامة الثقافية لا تتحقق دلالتها، إلا من خلال سياقي الإنتاج والتلقي: سياق المؤلف؛ ثم سياق القارئ، أو الناقد الذي تلقاها بعد ذلك في سعيه نحو التفسير.


وهو لا ينفي سمة سياسية للبحث، ضمن إطار النقد الثقافي، لأن مصطلح النقد الثقافي، حسب الكتاب، يوحي بموقف أيديولوجي إذ يفترض أن تحليل النصوص، كان يمر بمرحلة لا تلتفت إلى محتواها الثقافي. وهذه وضعية إشكالية، يسعى النقد الثقافي إلى تحليلها، وصولاً إلى اقتراح الحل.


بعدها ينتقل الكتاب في المدخل المطول إلى شرح تقسيم الفصول، إذ الفصل الثاني مخصص للبحث في فكر إميل حبيبي، ورأى المؤلف أن المرجعية الأفضل لتقصي انتماء إميل حبيبي الفكري هو البحث عن دوره في الحركة الوطنية الفلسطينية قبيل النكبة، مما قاده إلى بحث تاريخي قيم في تاريخ الحزب الشيوعي الفلسطيني، الذي كان إميل حبيبي عضواً فيه، حيث مثله في الكنيست “الإسرائيلي”، إلى ثمانينات القرن الماضي عندما استقال منه، بعدما أجبر على إخلاء موقعه البرلماني لمصلحة "رفيق يهودي".


ويبدو، للوهلة الأولى، أن هذا القسم، السياسي بامتياز، يتعارض مع وصف الكاتب عمله بأنه "مشروع نقد ثقافي" إلا أن قراءته، كجزء لا يتجزأ من المؤلف، تتجلى أهميته في موقف إميل حبيبي، الأديب، مع القوى السياسية الفلسطينية في إسرائيل وخارجها، فبرأي الكاتب، من غير الممكن البحث في الجمالية الأدبية بمعزل عن الفكر، أو الأيديولوجيا. واختار تقسيم إنتاج إميل حبيبي إلى إبداعي وفكري، حيث عد الأول: مجموع ما كتبه، في مجال القصة القصيرة، والرواية، والنصوص المسرحية. أما الإنتاج الفكري فهو: مجموع كتابات إميل حبيبي السياسية وتصريحاته، وحواراته الصحافية.


القسم الثالث من البحث خصصه د. محجز لعرض نماذج من الكتابات السياسية والفكرية لإميل حبيبي، الرجل الذي أتى الساحة الفلسطينية بما لم يأتها به أحد قبله، وتغيرت مواقفه، أو بدا للمراقب أنها تغيرت، من النقيض إلى النقيض، وذهب فيه الناس مذاهب شتى، كانت هي الأخرى عرضة للتغير، تبعاً لمواقفهم ومواقفه، بهدف استكشاف أهم معالم فكره.


وهذا القسم تمهيد للجزء الذي يليه حيث يطرح السؤال الأهم: لماذا انبهرنا بإبداعات إميل حبيبي الجمالية، وغضضنا الطرف عما تحتويه من مواقف ثقافية، قد لا نوافق على أكثرها؟


لا شك في أن هذا الكتاب سيثير إشكالية في الساحة الثقافية الفلسطينية، لكنها مهمة وضرورية كمدخل لمراجعة النفس ومحاسبة الذات على ليونة كثير من المثقفين الفلسطينيين تجاه مسائل وطنية وقومية مصيرية لا اجتهاد فيها.