الله الذي أعرف

 

إن الله الذي أعرفه ليس حقوداً. ومن المعصية أن تطلب المغفرة منه، ثم لا تتوقع منه الاستجابة.

إنها لمعصيةٌ لأنها عدم معرفة لله: فالرجل الذي قتل تسعا وتسعين نفساً، ثم ذهب يبحث عن التوبة عند من قيل له إنه أعلم أهل الأرض، فمنعها عنه؛ لم يقتله فحسب، بل أضاف العالم الحقيقي قوله للقاتل الذي أتم المائة: ومن يمنع رحمة الله عنك؟

لقد استنكر العالم الحقيقي جهل العالم السابق، فاستحق القتل، لأنه أنكر مغفرة الله. والدليل على ذلك أن قاتله دخل الجنة.

تذكرت هذا حين سألني بعض الشبان المؤمنين الطيبين: لم يخشون أن يكون إيمانهم زائفاً؟ فقلت لهم:

إنهم يخشون مما يعتمل في صدورهم، مما يخشون البوح به: إذ يرون أنهم يحبون رسول الله أكثر مما يحبون الله؛ بل إنهم حتى لا يحبون الله أساساً، بل يخافونه ويرتعبون من صورته.

إنهم يرون رسول الله جميلاً، حييّاً، رحيماً، عطوفاً، ودوداً، كامل الحب والرحمة والبهاء، ولا يجزي السيئة بمثلها، بل يعفو ويصفح.

أما الله فشيخ حقود لا يستطيع كظم غيظه، عنيف متربص، يجزي السيئة بجبل هائل من الكراهية والتهديد، والنار التي لا تتوقف عن التهام الناس والحجارة، في طاحون هائل أبدي لا يتوقف.

وقلت لهم:

أنتم مجرد مضللون، تائهون. ولو عرفتم الله الحقيقي لأحببتموه فوق كل تصور، لكنكم عرفتم إلهاً آخر غير الله، صوره لكم دين زائف، صنعه لكم مشايخ كفار، عملاء، مرتزقة، جهلة، أولاد كلب مليئة قلوبهم بالضغينة على الجنس البشري، أو هؤلاء جميعاً..

وقلت لهم:

إن معرفة الله الحقيقي يا أحبابي تبعث الطمأنينة التامة.

فهو الذي يرحمكم ويحبكم اكثر مما تحبكم امهاتكم.

وهو الذي يبحث لكم عن أي حسنة ولو صغرت ليثقل بها موازينكم يوم القيامة.

وهو الذي يجعل شهادة التوحيد من قلوبكم تمحو كل السيئات

وهو الذي أمركم بستر الذنوب والتوبة منها حتى يغفرها لكم يوم القيامة

وهو الذي ينحاز إليكم حين يظلمكم الظالمون

وهو الذي يفتح سماواته لدعوات المظلومين منكم ولو كانوا كفارا

وهو الذي جعل رحمة صغيرة من رحماته أكبر من كل ذنوبكم مجتمعة

وهو الجميل الذي يحب الجمال

وهو الذي لا يستطيع أحد وصف حبه لعياله

وهو الذي إذا جئتموه مشيا أتاكم هرولة

وهو الذي إذا أتيتموه بقراب الأرض خطايا ثم تبتم لأتاكم بأكثر منها مغفرة

وهو الذي حولكم يحوطكم بعنايته من كل ما تكرهون

وهو الذي يحملكم إليه، في آخر الرحلة، ليمسح التعب عن أجسادكم وأرواحكم التي أضناها طول المسير.

وهو الذي يفرح بلقائكم، كما تفرحون بلقائه.

وهو الذي لا يمكن مواصلة وصف حبه لكم، لأنه لا تكفيه الكمات ولا تحوطه التصورات والإحصاء،

ولكن يكفي أن تتذكروا أنه هو الذي أرسل إليكم البهي محمدا ليقودكم إلى الجنة.

وأخيراً قلت لهم باختصار:

إن الله الحقيقي، الذي أعرفه، هو الذي لا يصر على تعذيب أحد قدم أقل القليل: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ!) النساء/147

لا إله إلا الله محمد رسول الله

وكل عام وانتم بخير