• سياسة
  • 3321 قراءة
  • 05:41 - 13 مارس, 2016

مصر وحماس: ترويض النمرة

 

غزة في 13/3/2016

 

قلت سابقا بأن مصر غاضبة من الرئيس عباس، وها هو ما يدور يعطي إشارة ذلك. لكن يجب العلم بأن مصر ليست مجرد طفل يغضب فيخاصم، ويرضى فيصالح. فمصر تعرف أن غزة مجالها الحيوي في الشرق، وعازل لا بأس به يشغل الدولة اليهودية. لكن ما يوجه الاستراتيجية المصرية في هذه الحقبة هو الحرب على الإرهاب. ويجب ضمان عزل غزة الحمساوية عن إرهابيي سيناء: فإما أن يتعاون حمساويو غزة مع الدولة المصرية، لمحاصرة الجماعات في سيناء، وإما فالمصالحة المصرية الحمساوية مؤجلة.

هذا هو مختصر هذا المقال.

فعلى بوابة الأهرام المصرية أمس، وبعنوان "نفق عرفات" كتب محمد أمين المصري مقالة، قال فيها بأن مصر هي "أكبر أمل للفلسطينيين، ولكن ثمة من يريد نزع هذا الأمل عنهم، وبدلا من أن تحنو مصر على الفلسطينيين، وسكان قطاع غزة تحديداً، نرى نفراً من السياسيين المصريين المغرضين، الذى لا يدركون معنى السياسة، يحرضون الدولة على ضرب حماس. وهؤلاء لم يدركوا بعد أن حماس حركة مقاومة، لطالما نالت إعجابنا، وستظل حركة مقاومة، لولا السياسة الملعونة، التي اقْتَصّتْ من رصيدها في قلوب العرب والمصريين". انتهى الاقتباس.

 بالنظر إلى مكانة الأهرام بين الصحف القومية المصرية، باعتبارها توشك أن تكون صوتاً غير مباشر لصانع الاستراتيجية المصري، ورغم أن المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه ــ كما يقولون ــ إلا أنه لم يكن من الممكن أن يطلع علينا رأي كهذا، في الأهرام، طوال السنوات الماضية. لماذا؟ لأن المعركة كانت في ذروتها، ولأن الفعل ورد الفعل، بين مصر وحماس غزة، كان يذهب بالطرفين إلى الضد، من مصلحة الشعبين المصري والفلسطيني.

لكن السؤال الآن: ما هذا التحول الذي يبدو للبعض دراماتيكياً؟

وجوابي هو الآتي:

بالتأكيد هو تحول دراماتيكي، لكن ليس من قبل الدولة المصرية، بل من قبل حماس. فمصر ــ واسمحوا لي أن أتكلم عن الدولة كلما قلت (مصر) ــ واضحة استراتيجيتها لكل من يراقب ويفحص بهدوء، بعيداً عن ديماغوجية الشعارات من الطرفين. أما حماس فقد مرت بتجربة صعبة، بعد سقوط مرسي، ولست أزعم أنها قد استفادت منها، ولكني آمل بالفعل بأن تكون استفادت، إن كان هذا المقال المصري في الأهرام، والزيارة الحمساوية المرتقبة إلى القاهرة؛ سيقولان شيئاً حقيقياً.

مصر لا تريد القضاء على حماس ــ وهذه حقيقة يأبى الحرس القديم في التنظيم الإخواني أن يراها ــ بل تريدها سيفاً لها، لا خنجراً في خاصرتها الشرقية المجاورة لسيناء. ولقد مر وقت على حماس أعلنت فيه عداءها لخيار الشعب المصري، منحازة لإخوانيتها المرتبطة بمرشد القاهرة. صحيح أنها الآن لا تتوقف عن إنكار ما فعلت، لكنها فعلت: ففضائيتا الأقصى والقدس، حينما كانتا تبثان من رابعة، لم تكونا تعبران عن غير الحمساويين، بل المتشددين منهم، والذين صادف الغباء الحمساوي أن جعلهم، لحظتها، يتحكمون في الإعلام الغزي.

إذن فالاستراتيجية المصرية لا تقضي بالقضاء على حماس، بل بترويضها. ولقد مرت رحلةُ ترويض حماس بمنعطفاتٍ خطيرةٍ، أخطرها في رأيي كان دخول تركيا على الخط، تركيا التي تعادي مصر دولةً وشعباً وتاريخاً، وتريد أن تتخذ من دم غزة وسيلة للتنفيس، عن بعض من هذه الكراهية التاريخية، التي ليس هذا أوان تبيان أسبابها.

لقد انقضى الوقت الذي كان ينتظره "الحرس الإخواني القديم" في غزة، لسقوط السيسي وعودة مرسي. ولقد أثبتت حركة التاريخ بأن ماضي الإخوان في مصر مرشح لعدم العودة، إلى أمد طويل، بعد أن جرب المصريون "الحكم الإسلامي"!. ولأن الحركات الأيديولوجية بطيئة الفهم لحركة التاريخ، بسبب من هيمنة الشعار، فقد تأخرت حماس في فهم المعادلة طويلاً، وإن كنت أعلم يقيناً أن بعضاً من عقلائها فهموا ذلك مبكراً، وحاولوا العمل بمقتضى ما فهموه، ولكن الذئب الأغبر ــ المتمثل في الحرس القديم ــ كان في كل مرة يحبط مسعاهم. وأنا واثق بأنهم حين يقرأون هذه الكلمات، سوف يفهمون مدلولاتها التاريخية، بناء على ما سبق ذات مرة.

إذن فلم يعد هناك ما تنتظره حماس، أكثر مما فعلت. كما أن القوة الدافعة الجديدة لكوادر عديدين في الحركة، باتت الآن أكثر وعياً لضرورة الانفصال، عن جماعة الإخوان (الهبلة) في مصر ــ وتعبير (الهبلة) منشر في أوساط الكوادر الحمساوية، في وصفهم لقيادة المرشد ــ وإلا فسوف يتصاعد حصار غزة، وقد يتطور الأمر إلى ما هو أسوأ من ذلك.

ما هو الأسوأ؟. إن الشعار مكتوب على الجدار ــ كما يقول أبناء عمومتنا اليهود ــ مكتوب على الجدار بخط أحمر فاقع: "يمكن أن يصيب حماس ما أصاب حزب الله". تصوروا معي ماذا سيحدث لو أن النظام العربي، بضغط من مصر، اعتبر حماس تنظيماً إرهابياً! إذن فلن تستطيع قطر أن تقدم المساعدات لحماس، وسيتوقف التحسن المرجو في العلاقات بين حماس والسعودية، وسيعتبر كل حمساوي يعبر منفذ رفح مطلوباً، وسيتم تشديد الحصار على غزة، بما في ذلك تعميق الفاصل المائي، وملاحقة ما تبقى من أنفاق، ما يزال الأمن المصري يتعامى عنها عن سابق قصد، دفع عناصر التنظيمات الجهادية ــ بقوة الدفع العسكري ــ إلى اختراق غزة من سيناء، لتدفيع حماس الثمن... والقائمة تطول.

تؤمن مصر بأن حماس قدمت دعماً للمعارضة المسلحة في سيناء ــ وهذا هو أخطر الملفات العالقة ــ وليس مهما هنا أن أصدق أنا ذلك أو أنفيه، فالمهم هو كيف يراك الآخرون، وهل سيصدقونك؟ لأنهم هم من سوف يتعامل معك، بناء على ما يرون. من هنا فقد فهمت حماس ــ أو أرجو أن تكون قد فهمت ــ بأن عليها أن تتعاون مع مصر، في ملاحقة الإرهاب، ومنع تسلل عناصره من سيناء إلى غزة.. ثم تقديم المعلومات التي تهم مصر بهذا الخصوص. وأنا أزعم بأن حماس كانت طوال الوقت مترددة، في تلبية هذا الطلب. فهل قررت أخيرا الاستجابة؟ كنت قد قلت بأن شروط الانفتاح على مصر هذا أهمها. لكن يجب على الحمساويين الذاهبين إلى القاهرة، أن يدركوا أن مصر "المحاربة للإرهاب" لا تستطيع الانتظار أكثر من ذلك. لقد صادف أن غزة واقعة على حدود سيناء، ويجب تأمين هذا الحد بكل ثمن.

أما على الجانب المصري، وإذا كان من الجائز لنا أن نصدق ما قيل، من أن رام الله قد انتقضت ما اتفقت عليه مع مصر، بخصوص توحيد فتح؛ فيبدو أن المصريين قد يئسوا من إصلاح سلطة بهذا المستوى من اللاواقعية، فقرروا أن يعطوا حماس بعض أوراق القوة، على اعتبار أن القوة وحدها، هي المرشحة لإجبار رام الله على إعادة النظر، بعين جديدة إلى الواقع.

ولكي لا أكون مغرقاً في التفاؤل، دعوني أشير إلى وجود كثير من الشك في صدري، بخصوص قدرة حماس على اتخاذ موقف موحد، يتجاوب مع التوجه المصري الجديد. فالذئب الأغبر لا يزال يقضم يده بغِلٍّ، وسيحاول أن يمنع بكل ما يستطيع ــ وهو يستطيع الكثير ــ هذا التحول الجديد في الاستراتيجية الحمساوية. لأنه يعرف أن الفتيان الجدد لا يؤمنون بالإخوان كثيراً.

إن مفتاح الشفرة هو انفصال حماس عن الإخوان، وتحولها إلى فصيل فلسطيني وطني خالص، قادر على التعاون مع "أم الدنيا والعروبة" في محاربة إرهاب الجماعات في سيناء.

سيراقب ذلك المصريون بعيونهم، ولن يثقوا بالأيمان المغلظة.