بين العدل والمساواة


«وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ، قَالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ! اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَه» الأنعام/124

هذا طلب للمساواة. أنا أرى أنه طلب أحمق، رغم أن من طالبوا به يرونه عادلاً، لأن العدل في منظورهم هو المساواة.

والحق أن الله قد تعهد بالعدل، فعلاً؛ لكنه لم يتعهد بالمساواة: إذ لا يمكن تصور عالم تسوده المساواة؛ لأن أول ما سيكون منها ــ لو كانت ممكنةً ــ مساواةَ المخلوقين بالخالق، فتتعدد الآلهة، ويصبح كلٌّ إلٰهَ نفسه فقط، لأن الباقين جميعهم آلهةٌ مثله، متساوون في الخلق والقدرة والإبداع والعدل والجمال وسائر الصفات. من هنا فلا يستقيم أمر السماء مطلقاً، فيشبه حالها حال جبل الأولمب دون زيوس.

 وإذ كان ذلك مستحيلاً بحق الخالق، فهو كذلك بحق المخلوقين. إذ كيف يمكن تصور مساواة بين البشر، فلا يطيع أحد أحداً، فتفسد الحياة على الأرض؟

وإذا كان العدل غير المساواة؛ فدعونا نحاول أن نفهم كيف يتحقق:

لقد منح اللهُ الناسَ عقولاً متفاوتة، لكنهم يرونها متساويةً: فكل شخص لا يرى فضلاً لعقل على عقله، ولو خُيِّرَ بين عقله وعقل آينشتين، لاختار عقله. وربما لأرجع أسباب تفوق آينشتين العلمي عليه، إلى ظروف لا علاقة لها بقدرات العقل.

فإذا كان كلٌّ قانعاً بعقله، فدعونا نتصور بعض احتمالات الحساب يوم القيامة:

ربما يُحاسَب الشخصُ وفق اعتقاده، فيُقال له: ألستَ أعقل العاقلين؟ إذن فأنت قادر على الاختيار بصورة أكبر من الآخرين. فلِمَ قَصّرَ عنك فلانٌ في فعل القبيح؟ مع أن عقلك أكبر من عقله؟. لنحاسبَنّك حساباً عسيراً، يتناسب مع تقصيرك في الابتعاد عن فعل القبح، ولنحاسِبَنّه حساباً يسيراً، لأنه أقل عقلاً، وأقل قدرة في اختيار فعله.

والآن دعونا نتصور أنه ــ لحظتها ــ سيعترف بأن عقله أقل مقدرة من عقل من فعل الجميل. فنفترض أنه سيُقال له حينها: حسناً، فأنت إذن تعترف بأن قدرتك على الاختيار أقل!. فدعنا نحاسبك وفق ذلك: فيكون مقدار ثواب من هو أعقل منك، على فعله الجميل، أكبر من نصيبك حين فعلت نفس الجميل.

والنتيجة:

1ـ إما أن يعترف البشر بأن عقولهم متفاوتة، فيحاسبون وفق هذا التفاوت، ولا يُعاقب الأشخاص على نفس الجريمة نفس العقاب؛ خصوصاً وقد علمنا أن العقل هو مناط التكليف.

2ـ وإما أن يصرّ البشرُ ــ كما هو حالهم في الدنيا ــ على أنهم كلهم عباقرة، فيُحاسَبون وفق عبقريتهم، متساوين في العقوبة، كما هم متساوون في العقول: فيُحاسب مخترع القنبلة الذرية، حسابَ مخترع العصا. وبالتأكيد أن مخترع العصا سيكون أول المعترضين وبحق.

دعني أراهن بأنك، حين تتأمل، ستعتبر الخيار الأول أكثر عدالة. نابذاً مبدأ المساواة وراء ظهرك.

هذا بعض من التفكر، ليس بالضرورة أن يكون مطابقاً للحقيقة، لكنه محاولة للاقتراب من الحقيقة. فقولوا لا إله إلا الله تفلحوا. واعلموا أنكم لن تعلموا كيف يحقق الله العدل. ولكن لا تطالبوا بالمساواة، حتى لا تكونوا كمن يطالب الرب أن يتحول إلى حسن عبد الباري أبو خبيزة.

اللهم إنك تعلم أني لا أعلم. فلا تؤاخذني بقول ما لا أعلم، حين أظن أني أعلم.