• سياسة
  • 1866 قراءة
  • 06:04 - 08 يونيو, 2018

استعادة الوعي


لا تلوموا غزة إن فكرت هكذا فأنتم من يريد لها أن تفكر هكذا

 

لقد كان لافتاً، وغريباً في حينه، أن يأمر رئيس السلطة، عشية الانقلاب، قواته بالتوقف عن إطلاق النار على قوات الانقلاب، الأمر الذي يسر لحفنة من المتدينين الجدد، المسلحين تسليحاً متواضعاً، أن ينتصروا على جيش يفوقهم تسليحاً وعدداً، ثم يتذرعون بقوة الروح المعنوية.

لا جرم، ففي خضم رفضه للانقلاب، وفي عز رغبته المهدورة في عدم الاعتراف بانتصار اللاوطنية، رفض الوعي الوطني تأمل تصرف الرئيس خارج رؤيته له شخصاً وطنياً يحافظ على الدم الفلسطيني.

ورغم مرور أحد عشر عاماً على تواصل تصرفات رئيس سلطة ـ اكتشف رام الله ـ بحق غزة، بطريقة تؤكد أنه لم يعد يريد غزة، إلا أن هناك من لا يرغب في رؤية تصرفات الرئيس ـ القديمة والجديدة ـ بعيداً عن سياسة ممنهجة لاستعادة الوحدة. كأن من رفض الدفاع عن الوحدة قادر على استعادتها!

لقد استدعت تصرفات أحد عشر عاماً كل من يحترم عقله ووطنه، أن يعيد تأمل ما مضى.

أحد عشر عاماً لم يوظف رئيس السلطة خريجاً من غزة، رغم أنه يجبي خراجها.

أحد عشر عاماً لم يتم إدراج زوجة أو ولد في قسيمة راتب غزة.

كل ذلك وسلطة الأمر الواقع في غزة تتنامى، واستقطاع الأراضي في الضفة لغرض الاستيطان يتنامى، وتقسيم فتح إلى قسمين يتواصل... إلى أن جاء وقف الرواتب بالكامل مرة، ثم صرفها بنسبة النصف أخيراً، في انتظار قطعها النهائي قريباً...

إن كل ذلك يستدعي بالفعل أن نعيد إنتاج دلالات ما مضى، لحظة مضيه في الماضي، برؤية أعمق، وفحص شكاك.

أعلم أن البعض من أنصار الاستفراد بغزة، سيتهمني بالسوداوية والتشاؤم وتحليل الأمور تحليلاً غاضباً. ولكني لم أكتب يوماً مقالاً سياسياً غاضباً، بل أدعو إلى تأمل ما سيؤول إليه الحال، إن واصل متنفذو رام الله تصرفاتهم هذه:

1ـ ستشعر غزة ـ بل لقد شعرت ـ بخذلان (شعبها) في الضفة. وقد أكد (أهلنا) في الضفة أنهم لا يهتمون بوضعنا إلا في النادر اليسير. دع عنك المجاملات المكذوبة.

2ـ سيخدم هذا مشروع حماس، بالانفصال التام، وتأسيس كيان يبحث عن شرعية مختلفة، قد لا يطول بها الزمن، حتى تجد من يدعمها في الإقليم، وفي أهل غزة المحبطين ممن كان يقال لهم إنهم (أهلهم) في الضفة الغربية.

3ـ لن يطول الأمر، حتى تقرر الدول المانحة استقطاع نصيب غزة من الموازنة الممنوحة، وتحويلها للموظفين في غزة، حتى دون المرور بحماس. وربما تفعل ذلك إسرائيل وتنال تصفيقاً عالياً.

4ـ هذا الاستقطاع الأوروبي وذلك التصفيق الغزي، سيعزز من الانقلاب الشعوري والفصل بين (وطني) السلطتين، و(شعبي) السلطتين، بحيث يبدأ أهل الضفة بالشعور بالنقمة من أهل غزة الذين غادروهم. وسينسون مع الزمن أنهم هم من أسلمهم إلى هذا المصير.

5ـ سيتحول قطاع غزة إلى كيان (مناضل) في نظر عرب الخارج، في مقابل كيان يعيش على التفاوض الأبدي والتراجع السياسي، في الضفة الغربية.

6ـ سيشعر أبناء غزة المتنفذون في رام الله ـ الذين تشير كل الدلائل إلى أنهم دعموا خطوات رام الله ضد أهلهم ـ لا بالإحباط مما حولهم فحسب، بل بكل المقت من شعب في الضفة يراهم غرباء من (نوافل غزة) بل يبدو أن شعب الضفة يتعامل معهم وفق هذا منذ زمن بعيد. لكن الفرق بعد نجاح مشروع الفصل، سيكون في تصاعد درجة المقت (الضفاوي) لـ(نوافل غزة) المتنفذين بالباطل، في وطن ليس وطنهم.

7ـ سيتم رفع الحصار عن غزة، وتتعامل غزة مع المحيط العربي بهدوء، وتعتبر أن الأمر قد تم إنجازه، خصوصاً وأن كل الدلائل تشير إلى أن مصر غاضبة من رام الله، ويبدو أنها تنفض يدها منها.

8ـ إن إعادة تأملنا لما حدث عشية الانقلاب ـ حين نكلت السلطة عن الدفاع عن الوحدة الوطنية، ثم تعاملت من بعد مع أهل غزة كأنهم هم الذين هربوا من مواجهة الانقلاب العسكري ـ يشير بالفعل إلى أن متنفذي رام الله قد أصروا منذ البدء على التعامل مع غزة باعتبارها كياناً زائداً عن الحاجة، مما يجعلنا نعيد إدراج الخطوات الأخيرة لمتنفذي رام الله، ضمن سياق عام جديد، يوضح أنهم كانوا يخططون لهذا منذ زمن بعيد، وربما بالاتفاق مع متنفذي غزة للأسف.

9ـ وبعد كل ما سبق، يحق لنا أن نستنتج أن نكول قيادة فتح ـ المستمر والمتواصل ـ عن تعزيز تنظيمها في غزة، يدل على أنها لا تريد له أن يمارس دوره، المنوط به، في التحرك ضد ديمومة الانقلاب؟

10ـ إن الأمر الأخير، الصادر من الرئيس، ببحث مسألة تسديد فاتورة الرواتب لقطاع غزة، يعني شيئاً لافتاً: أن رواتب غزة قد صُرفت هناك في رام الله. فأين ذهبت؟

صباح الخير يا أصدقائي