• سياسة
  • 1713 قراءة
  • 10:16 - 29 مايو, 2019

التحليل السياسي: 


اللعبة في شوطها الأخير

 

الصورة الآن على شاشة العرض، يراها الكبير والصغير، محلل السياسة ومحلل الأشياء الأخرى. ولكن المحلل السياسي وحده، هو من يستطيع أن يقرأ المشهد القادم، الذي لم يتم عرضه على شاشة العرض بعد.

ومن يريد أن يتوقع، فعليه أن يقرأ ما هو على الأرض، من أفعال وأحداث ومتغيرات، بطريقة باردة، كأنه جراح يفتح الجثة، فلا هو يتعاطف معها فيكفّ مبضعه عن القص، ولا هو حاقد عليها فيوسع الجرح أكثر.

المحلل السياسي جراح فقط. ولم أسمع أن أحداً يشتم الجراح، لأنه قال بأنه اكتشف في الجثة ورماً خبيثاً، يستحيل استئصاله.

وبخصوص الحالة السياسية في فلسطين الآن، يرى كل الناس أن على المسرح الإقليمي قوى خمساً هي: إسرائيل، وعسكر غزة، وإيران، ومصر، والسلطة الفلسطينية:

أولاً: إسرائيل:

تلك الدولة المدججة بالسلاح، التي يحكمها عسكر متعطشون للدم، ومع ذلك يهرب سكان غلافها الجنوبي، كلما أحبت حماس ذلك، أو كلما اختلف معها تنظيم يمتلك صواريخ.

وإسرائيل هذه لا تستطيع أن تتقبل هذا الوضع، لمجرد أن رئيس وزرائها متعاطف مع دوام الانقسام، وراغب في استمرار حكم حماس في غزة، نكاية في الرئيس عباس، وهروباً من حل سياسي يمنع تحول إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية.

وإسرائيل التي هذا هو حالها، لا تستطيع ـ حتى في ظل نتنياهو ـ الاستمرار في هذه اللعبة أكثر من ذلك، ولن تحتمل أي حكومة ـ مرة أخرى ـ أن تطولها صواريخ غزة، لأنها ستسقط فور وقوع أول صاروخ، إن لم ترد بحجم يرضي جمهورها.

فإلى متى تستطيع إسرائيل التعايش مع هذه اللعبة: قصف صواريخ، يتبعه هجوم إسرائيلي يتوقف عند حد لا يتجاوزه، حفاظا على استمرار وجود تنظيمات ستعود إلى القصف قريباً؟

كل تحليل واقعي يخلص إلى أن لهذه اللعبة نهاية. ويبدو أن إسرائيل ستضطر قريباً إلى رسم خط النهاية، خصوصاً مع هذه التهديدات الفلسطينية بقصف تل أبيب بطريقة غير مسبوقة.

ثانياً: عسكر غزة:

وقوى العسكر في غزة متنوعة، لكن ما يؤثر في الواقع منها تنظيمان، هما حماس والجهاد: التنظيمان الإسلاميان المؤمنان بضرورة إزالة إسرائيل عن الخارطة، مع اختلاف بينهما في توقيت ذلك، والهدف الذي يتلوه.

وهذان التنظيمان مختلفان في مستوى استقلالية قرار أي منهما عن ضغوط الإقليم:

فحماس مستعدة للوصول إلى حل مع إسرائيل، يضمن لها استمرار السيطرة في غزة، مع تأجيل موضوع إزالة إسرائيل إلى وقت لاحق.

أما الجهاد فلا قدرة له على القبول بذلك، لأنه مرتبط حيوياً بقرار الملالي في طهران. والملالي في طهران لا يحبون أن تتم هدنة بين غزة وإسرائيل، ولا يحبون كذلك أن تتم مصالحة فلسطينية فلسطينية. فما العمل وحماس تحدثها نفسها بالتمرد، بعد كل هذا الدعم؟

ثالثاً: إيران:

إيران لا يهمها كثيراً أن تتحرر القدس، إلا لتكون جوهرة تاجها الإمبراطوري الكبرى. وقد دفعت الكثير من المال والدعم والتدريب في سبيل تحقيق ذلك.

لطالما دفعت إيران لحماس. ولكن حماس اليوم تبدو متمردة على إرادة الملالي، وترغب في توقيع هدنة مع إسرائيل، لضمان استمرارية حكمها لغزة. وإيران لا يهمها أن تحكم حماس غزة، أو تذهب إلى الجحيم، بل يهمها أن تبقى غزة متوهجة نارها في إقلاق الدولة اليهودية، كلما احتاجت إيران ذلك، خلال صراعها الإقليمي مع القوى الكبرى.

ولقد صمتت إيران طويلاً على تأخر الجهاد في اللحاق بقوة حماس، لأنها كانت ترى في حماس تنظيماً يؤدي الغرض، أما وقد صارت الآن حماس لا تؤدي الغرض، فيجب تقوية تنظيم الجهاد، بوتيرة متسارعة، وإضعاف حماس بنفس الوتيرة، بما يؤدي ـ عند اللزوم ـ إلى دفع الجهاد للاستيلاء على السلطة في غزة. وبذا ينتهي حلم فلسطينيي غزة بأي هدوء أو وحدة.

رابعاً: مصر:

مصر تتبع مع غزة سياسة من ثلاثة محاور، استراتيجي وتكتيكي وإقليمي:

رابعاً/1: المحور الاستراتيجي:

فالمحور الاستراتيجي يقول بأن ثمة حقيقة راسخة، لا يمكن دحضها بكل تطورات الأوضاع اليومية. وهذه الحقيقة تقول بأنه لم يوجد بعد النظام المصري ـ ولن يوجد ـ الذي يقبل بوجود كيان إخواني على حدوده الشرقية المتاخمة لسيناء، لأن المفكر الاستراتيجي المصري يعلم أن ذلك يؤدي إلى انفصال سيناء عن سيادة الدولة، إن عاجلاً أو آجلاً. ولذا فكل ما ستفعله مصر سوف يخدم هدف إزالة حكم حماس من غزة، ولكن ربما يتم تأجيل ذلك الآن إلى وقت آخر قريب.

رابعاً/2: المحور التكتيكي:

أما المحور التكتيكي الذي يحكم سياسة مصر تجاه حكم حماس في غزة، فيقضي بالتوقف المؤقت عن محاولة إزالة حكمها هناك، ضماناً لتقليل الخسائر المصرية الناجمة عن هذا الجوار المؤسف، لهذا النظام المؤسف.

وذلك يقضي بالتعاون مع حكام غزة تكتيكياً، للقضاء على الإرهاب في سيناء. فليس من مصلحة مصر أن تتحول غزة إلى دفيئة إرهاب، تؤوي الهاربين من الملاحقة، أو تدرب الغاضبين للهجوم على سيناء. من هنا فليس غريباً أن تقدم مصر تسهيلات قليلة لغزة، ترضي الحاكمين، وتترك المحكومين غاضبين على حكومتهم.

رابعاً/3: المحور الإقليمي:

أما المحور الإقليمي الذي يحكم ساسة مصر في التعامل مع حكم حماس لغزة، فهو المرتبط بعلاقتها مع إسرائيل، الجارة التي وقعت معها اتفاق سلام، لا يسمن ولا يغني من جوع.

وإسرائيل هذه هي التي سهلت حكم حماس لغزة، وهي التي ساعدت الإرهابيين في سيناء، طمعاً في استعادة حكم الإخوان لمصر، باعتبارهم القوة الوحيدة في العالم القادرة على الحل الدائم مع إسرائيل، بتوطين الفلسطينيين في سيناء.

لكن إسرائيل الآن فقدت كل ما عقدته من الآمال على الإخوان، بعد أن ثبت بأنهم أضعف مما كانت تتصور إسرائيل والإدارة الأمريكية السابقة. ولم يتبق لديها إلا عقد الآمال على حكم السيسي، الذي ترجو أن يكون أكثر واقعية وصداقة. فإذا ضاع الكسب الكبير، لا بأس بكسب صغير، خصوصاً ولا يلوح في الأفق كسب أكبر.

وهكذا وجدت إسرائيل نفسها مرغمة على القبول، بأن تغض بصرها عن خرق السيسي لاتفاقات فصل القوات في سيناء، وإدخاله الأسلحة التي كان الإرهابيون يحتمون بغيابها وراء القناة.

خامساً: السلطة الفلسطينية:

وهي سلطة ضعيفة بحق، لكنها تمتلك أقوى الأوراق. وكل الدلائل تشير إلى أنها تحسن اللعب بهذه الأرواق.

والسلطة الفلسطينية ربما لا تستطيع أن تفعل الكثير للجم القوى الإقليمية، المتصارعة على أرض غزة، ولكنها تملك أوراق الحل. فهي التي تستطيع تقديم طوق النجاة لعسكريي غزة، حين يعلو بهم الموج. وهي في انتظار هذه اللحظة التي يبدو أنها تقترب بأسرع مما نتصور.

إضافة إلى ذلك فإن السلطة الفلسطينية هي من يستطيع أن ينقذ إسرائيل من دولة ثنائية القومية، هي في طريقها الحتمي للتحقق، إن لم يتنازل الإسرائيليون ويوافقوا على قيام دولة فلسطينية إلى جوارهم.

والسلطة الفلسطينية هي الخيار الوحيد لمصر لتأمين حدود سيناء الشرقية من خطر الإرهاب.

 المحصلة:

كل ما يُقال عن إنهاء الانقسام صار قريباً من الواقع، حتى لو لم تفهم الأطراف ذلك:

سينتهي الانقسام لأن نتنياهو لم يعد قادراً على حمايته.

سينتهي الانقسام لأن حكام غزة فهموا الآن، بأنهم لن يستطيعوا البقاء في الحكم، حيث سيلاحقهم تنظيم سيصير أقوى بالتأكيد. 

سينتهي الانقسام لأن السلطة الفلسطينية ستؤمّن لحكام غزة خروجاً آمناً، يضمن لهم الاحتفاظ بما حصلوا عليه، ويغريهم بالتنازل قبل فوات الأوان.