ماذا لم يفعل بالإسلام وبنا الإخوان المسلمون!



قبل الإخوان المسلمين، كنا نعاني من الطغيان، لكنه كان الطغيان الواقعي، المفروض، الذي لا تقبله أرواحنا، وننتظر فرصة بزوغ شمس الإسلام لنحطم أغلاله. 


فجاء حسن البنا لنا بالإخوان المسلمين ومفهوم الطاعة، وغرس في أطفالنا الأغرار حب العبودية، بعد أن سماها بغير اسمها. 


قبل الإخوان المسلمين ظهر فينا بين الفينة والأخرى من يدعونا للتمرد على الطغاة، واستعادة شخصيتنا الحرة، كعبد الرحمن الكواكبي، وجمال الدين الأفغاني، اللذين ذكّرانا بأننا نستطيع أن نكون كالأمم الحرة. 


فجاء حسن البنا بالإخوان المسلمين ـ أو جاء الإخوان المسلمون بحسن البنا ـ وعلمونا أن الكواكبي والأفغاني عملاء للاستعمار، محبون للعدو، بدليل أنهم يعارضون الخليفة الذي في قصره آلاف الجواري في انتظار مضاجعة لا تحدث.


قبل الإخوان المسلمين كنا نعاني من الظلم ألواناً، تحت وطأة الفساد الذي تردى فيه حكامنا، وفرضوه علينا، لكننا ظللنا ـ وسط هذا القهر ـ نحتفظ بفكرتنا الجميلة عن أسلاف لنا ولدتهم أمهاتهم أحراراً، عاشوا في ظل حكام عاشوا كعيشهم، وتحاكموا معهم أمام نفس القاضي. فكرهنا الحجاج وترحمنا على سعيد بن جبير، وكرهنا يزيد وصلينا وسلمنا على الحسين. 


فجاءنا حسن البنا بالإخوان المسلمين، الذين زينوا لنا حكم يزيد، وأقنعونا بأن الحسين متمرد مات بسيف جده، وأمروا خطباءهم أن يترحموا على الحجاج ـ في لعنة ضمنية لسعيد بن جبير ـ وزينوا لنا ما فعله عبد الحميد وعبد المجيد ومحمد الثاني قاتل عائلته.. إلخ. وجعلوا ذلك سنة فيما سموه "الصحوة الإسلامية" فصرنا نحب الظلم لأنه من أمر الله الذي أوكل الخليفة أن ينفذ أحكامه، فنفذها ورأى حسن البنا والإخوان ـ ورأينا برؤيتهم ـ أنه كان تنفيذاً أميناً، يتيح لنا أن نتمنى عودتهم، وندعو إلى إقامة نظامهم كما كان من جديد. 


لقد آمنا ـ قبل الإخوان المسلمين ـ بأن الحكم الجميل الذي يجب أن نخضع له طائعين هو حكم رجال يتلون علينا كتاب الحرية، ويعلموننا أنه من كتاب الله. وأن انتصارنا على الأمم الأخرى كان لمصلحتها لا لاستعبادها، ولتعزيز الكرامة الإنسانية في ربوع بلادها؛ وتعودنا أن ننظر بعين الشك إلى كل حكومة خرجت عن مبادئ الشورى، وتوسلت بالقوة إلى الحكم، بحيث صرنا نبغض النجاحات غير العادلة التي حققها معاوية وعبد الملك وهارون الرشيد، ونعطف متألمين على مصير الثوار الكرام الذين تمردوا عليهم. 


فجاء حسن البنا وخلفاؤه، فقرروا لنا أن الخليفة الحاكم ظل الله في الأرض، ولو نهب أموالنا واستعبد أطفالنا، وأن أفضل الفضائل ليست الحرية بل الصبر، ودعونا إلى الطاعة العمياء لنعيد إنتاج القوة، بغض النظر عن العدالة، وأيقظوا فينا غرائز طالما ظنناها ميتة، وأقنعونا بأن غاية الغايات أن نستعيد مجد الفتح، لنرفع علم الخليفة على بلاد تتحول بنا نساؤها إلى سبايا له، فيما نموت ونحن نأكل الميتة من المزابل، في انتظار أن يمر بنا صديق الخليفة، فيمنحنا الخبز، ونمنحه أن تحج عنه الملائكة. 


لقد أحببنا ـ بفضل حسن البنا والإخوان ـ كل ما كرهناه في السابق، وكل ما رأيناه شراً، لأن حسن البنا والإخوان أقنعونا بأننا لا نحسن التفكير، وأن الشر الذي نراه هو الخير المحض. 


لقد كنا ـ قبل حسن البنا والإخوان ـ نعتبر أن شرطي الظالم شريك له في الظلم، فعلمنا حسن البنا والإخوان أن نشتغل في الشرطة، ونعتقل أصدقاءنا ونحن نرجو منهم أن يسامحونا، لأنهم عبيد الآمرين. 


قبل حسن البنا والإخوان كنا نكره الكذب، فإن كذبنا شعرنا بكل مصائب السماء تسقط فوق رؤوسنا كسفاً. 


فلما جاء لنا حسن البنا بالإخوان، صرنا نرى مشايخ يكذبون، ففكرنا في أنفسنا في علة كونهم يستحلون أن يكذبوا علينا، فلم نجد إلا فكرة أنهم يروننا كفاراً أعداء محاربين، يحل لهم الكذب علينا، لأن الحرب خدعة. 


ماذا لم يفعل بالإسلام وبنا الإخوان المسلمون!