وقال صلى الله عليه وسلم: "لَتُسَوُّنَّ صفوفكم، أو لَيُخَالِفَنَّ اللهٌ بين وجوهكم"(6).
وقد قال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ (الأعراف/29). وإقامة الوجوه لها معانٍ عدة منها التسوية.
وقد ذهب الحافظ في "الفتح" إلى أن التسوية واجبة، لهذه الأحاديث، لكنه أفتى بأن صلاة "من خالف ولم يُسَوِّ صحيحةٌ"(7).
واستدل على صحتها رغم المخالفة، بأن أنس بن مالك ـ في الحديث المذكور ـ أنكر عليهم لكنه لم يأمرهم بإعادة الصلاة(8).
قلت: وكذلك القول في سَدِّ الفُرَج: إذ يحرم ترك فجوات في الصفوف، لكن صلاة من صلى مع الفرجة صحيحة، ويأثم للفرجة والتباعد.
وعلى ذلك فحكم سَدّ الفُرَج وتسويةِ الصفوف من السنن المؤكدة، وربما يصل حكمها إلى درجة الوجوب، لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي"(9).
وقد رأينا صفة صلاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أمره بِسَدِّ الفُرَجِ وتسوية الصفوف.
هذا في الأوضاع العادية،
أما في حالات الجوائح، التي يأمر فيها الشارع الحكيم بالحرص من العدوى، فتسقط مشروعية سدّ الفُرَج وتقارب الصفوف، ويبقى وجوب تسويتها.
فهم مهما اختلفوا في وجوب أو ندب التقارب بين المصلين، إلا أنهم لم يختلفوا بأن الوقاية من المرض فرضٌ واجب. ومعلوم أنه لو تعارض الفرض مع المستحب، سقط المستحب.
وقد وردت الفتوى التالية في موقع: "الإسلام سؤال وجواب": "ولو صلى الناس وفي الصف فرجة فقد أساءوا، ولكن صلاتهم صحيحة" أ. هـ
والخلاصة:
يُستحب ـ بل ربما يجب ـ الامتناع عن صلاة الجماعة في المساجد، إلى حين انحسار المرض. فإن خالف الناس واجتمعوا، مع الجائحة، فقد أثموا، وصحت صلاتهم، وسقط عنهم وجوب رصُّ الصفوف، وبقي وجوب تسويتها وتعديلها، لأن ذلك لا يتسبب بالعدوى. ولقوله صلى الله عليه وسلم: "وإذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ"(10).