• سياسة
  • 573 قراءة
  • 11:13 - 29 مايو, 2021

التحليل السياسي:


في الوعي التاريخي: إما حرب تحرر ممكنة، وإما صراع فناء حتى الأسنان


السبت 29 مايو 2021:


المعركة بيننا وبين الصهاينة لها وجهان، ولنا أن نختار أيهما، ولا نستطيع أن نجمع بينهما، إلا إن كنا حفنة مخلوقات لاتاريخية حمقاء كذوب، ترفع شعارات غير قابلة للتحقق.

1: فإما أن تكون معركتنا معركة تحرر وطني. وفي هذه الحالة نحن الفلسطينيين نخوض معركتنا ونرجو دعم الأحرار في العالم.

2: وإما أن تكون صراع فناء بين دينين، على كل شبر من قطعة الأرض ذاتها. وفي هذه الحالة فنحن نخوض معركة ليست معركتنا وحدنا، بل هي معركة كل المسلمين في الأرض، وعلينا أن ننتظر منهم تدخلاً قوياً يحارب بأسنانه حتى النهاية.

في الحالة الثانية، التي اختارت شعارها قوى الإسلام السياسي، واختارت بموجبها أن تكون الحرب صراع فناء بين دينين، على كل شبر من قطعة الأرض ذاتها، لا تستطيع قوى الإسلام السياسي، أن تصف نفسها بأنها حركات تحرر، لأنها لا تسعى إلى تحرير شعب من هيمنة شعب آخر، ليرحل المهيمن إلى بلاد يستطيع أن يرحل إليها.

 

في هذه الحالة لا يوجد نموذج دنيوي تحتذيه هذه الحركات، بل حتى النموذج الديني الذي تستدعيه من التاريخ، لا يستطيع أن ينطبق على حالتها، فذلك كان نموذج زهاد سماويين، فيما النموذج الذي تقدمه قوى الإسلام السياسي، هو نموذج أمراء مؤمنين، يعيشون وسط رعايا جائعين، ويرتعون في بحبوحة من العيش، لا تشجع أحداً أن يتعاطف معهم.

وحتى لو خدعت قوى الإسلام السياسي هذه، بعض الغوغاء بموسيقى الشعار، فإنها لا تستطيع أن تقنع العقلاء في الوطن، ولا في العالم المراقب ـ الذي تأمل في دعمه ـ بمشروعية حربها، لأن سؤال العالم سيكون هو:

ـ لأي شيء تريدون دعمنا؟ لكي تقضوا على دين آخر لا تستطيعون قبول حياته؟ أم لإزالة شعب من الوجود لتحلوا محله؟

إن التاريخ يتعامل مع قوى الواقع. ولن يدعمك العالم لمجرد أن روايتك أقوى من رواية الخصم، وتقول بموجبها بأنك قبل سبعين سنة كنت هنا ولم يكن الخصم، خصوصاً إذا كانت القواسم المشتركة بين خصمك والعالم أكبر من كل مشاعر الإنسانية، وإلا كنت راجياً أن تدعمك أوروبا وأمريكا، ضد الهنود الحمر لأنهم كانوا قبل البيض في العالم الجديد.

أما إن اختار الفلسطينيون أن يكون نضالهم حركة تحرر من احتلال ـ وهو ما تعلنه بمقت حركات الإسلام السياسي ـ فإن عليهم أن يعلنوا لأنفسهم أولاً، وللعالم ثانياً، إنهم لا يسعون إلى إفناء الخصم، بل إلى التعايش معه على قطعة الأرض ذاتها، بتقاسمها دولتين، أو باندماج الشعبين في دولة واحدة لكل مواطنيها.

ووفق هذا الخيار فقط يمكن للفلسطينيين أن يقنعوا العالم ـ الذين هم أحوج المخلوقات إليه ـ بأن معركتهم تاريخية أرضية قابلة للحلول الوسط. وأن الخصم هو الذي يريدها حرب فناء.

أكرر: حركات التحرر التي يمكنها في الواقع الدنيوي أن تطرح إمكان رحيل الخصم من أرضها إلى أرضه، هي فقط حركات التحرر.

أما قوى الإسلام السياسي، فليست حركات تحرر، بل دعوة أبدية لحرب أبدية حتى الأسنان. وعليها ـ بناء على ذلك ـ ألا تتوقع دعماً من أحد، ولا شفقةً من العدو، لأنه سيشعر عندئذ ـ وسيشعر معه العالم ـ بأنه يدافع عن كيانه القائم المتحقق، مقابل من يريدون إذابته، دون أن يقنعوا العالم بإمكان تحقق كيانهم.