• سياسة
  • 336 قراءة
  • 02:55 - 24 أغسطس, 2022

التحليل السياسي

قليلاً من التفكير بعد توقف القصف


ظهيرة الثلاثاء 23 أغسطس 2022


1: الحدث:

الجهاد الإسلامي يمنح إسرائيل الإنذار تلو الإنذار بضرورة أن تفرج عن الأسيرين السعدي والعواودة، وإلا فسيمطرها بالصواريخ.

صدر الإنذار أكثر من مرة على لسان المتحدث الرسمي للجهاد خالد البطش. وأخيراً أعلن عن بدء الحرب على لسان الأمين العام للجهاد زياد النخالة من طهران.

بدأ قصف الطائرات الصهيوينة، يوم الجمعة 5 أغسطس 2022 وتَصَيَّدت الطائراتُ الصهيونية ـ على مدار ثلاثة أيام متوالية ـ كبار قادة سرايا القدس (الجهاز العسكري للجهاد) وقادة وحدات الصواريخ. واعتزلت كتائب عز الدين القسام (الجهاز العسكري لحماس) الحرب.

قصف الجهاد أصاب في غالبه فلسطينيين من غزة، واعترفت إسرائيل بأنها قصفت ـ عن طريق الخطأ ـ خمسة أطفال في مقبرة الفالوجا، بمعسكر جباليا. وبقي الجهاد صامتاً عن ضحايا صواريخه الفلسطينيين، حتى قيل إنه زار أهالي الضحايا سراً، ووعد بتقديم بعض المعونات لهم,

بعد مفاوضات شاقة توصل الجهاد وإسرائيل ـ بوساطة مصرية ـ إلى وقف لإطلاق النار، مساء الأحد 7 أغسطس 2022، وأعلن الجهاد أن مصر تعهدت بالإفراج عن الأسيرين. ولم يكن هذا الإعلان صادقاً.

2: مختصر المقال:

لم تتعهد مصر بالإفراج عن أيٍّ من السعدي أو العواودة، وربما وعدت ببذل جهودها. وقد وتسرع الجهاد باستدعاء حرب طلبتها إيران.

3: العرض:

3/أولاً: موقف حماس:

رفضت حماس الانجرار إلى الحرب للأسباب الآتية:

1: لأنها شعرت بأنها هي المُستهدف من هذه الحرب، وأن إيران تريد أن تفرض عليها المواجهة، في الساعة التي تحددها، معتمدة في ذلك على طاعة تنظيم الجهاد. وليس أدعى من ذلك لدى حماس للرفض.

2: ولأن حماس أقل حاجة للدعم الإيراني ـ وإن كانت لا تضحي به ـ فهي أكثر استقلالاً مادياً، وتعلم إيران أن لو توقف دعمها لحماس، فإنها تستطيع أن تدبر أمورها، ووراءها تنظيم دولي يملك من المال ﴿مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ﴾

3: تعلم حماس أن الجهاد هو من استدعى الحرب، وإن بدت إسرائيل مطلقَ النار الأول: فقد مضت أيام طوال، وقيادة الجهاد في طهران تطلق الإنذارات، وتحدد مواقيت الحرب، حتى بدت إسرائيل كما لو كانت مضطرةً للخضوع "لتنظيم فلسطيني صغير" إن لم تسكت هذه التهديدات.

4: تعلم حماس أن مصر قد حاولت نزع فتيل إنذارات الجهاد، دون جدوى، فقد اتصلت مصر بحركة حماس وطلبت منها الضغط على الجهاد، لوقف التصعيد، ولكن الجهاد، في إيران، لا يهتم لمطالبات حكومة غزة، خصوصاً وهو في طهران.

5: تعلم حماس أن إسرائيل ـ مع هذه الإنذارات ـ ستوجه ضربة قاصمة للجHاد، لضمان عدم تكرار الإنذارات كلما أضرب أسير عن الطعام.

3/ثانياً: موقف الجهاد:

1: كان الجهاد مضطراً إلى دخول معركة هو الذي استدعاها، فليس من الممكن إطلاق التهديدات دون عمل حقيقي.

2: صدور الأمر من الأمين العام من طهران، لم يترك لدى ممثليه هنا فرصة لإقناعه بعدم جدوى ذلك، بقوة ما لم يملك الأمين العام من إقناع إيران بعدم طلب الحرب، فحسابات إيران مختلفة عن حسابات فلسطين.

3: كان الجهاد، في بداية اندلاع حملة القصف، متردداً في قبول الوساطة المصرية، إلى أن أحسّ بضرورة وقف قتال يهدد أجهزته الفاعلة بالفناء.

4: شعر الجهاد بخيانة حماس، لا لأنها لم تدخل المعركة، بل لأن تقديراته ثبتت خيبتها، فقد قدروا أنهم سيجرونها إلى القتال ـ كما وعدتهم إيران سراً ـ ولكن حماس أفشلت مخططهم ورفضت الاستجابة للضغط الإيراني. وهذا هو السبب الحقيقي لغضب الجهاد، على طريقة العرب كلما أخطأوا اتهموا الآخرين.

5: كانت المعركة ـ للأسف ـ من طرف واحد، لم يحقق فيها الجهاد اختراقاً، وتمكنت إسرائيل فيها من قصم ظهر الجهاز العسكري، ومطلقي الصواريخ، بما أشعرها بالنشوة، وأطمعها في المزيد، وأغواها بالتشدد في شروطها لوقف النار، ووضع المفاوضين الجهاديين في مأزق.

3/ثالثاً: الموقف الصهيوني:

1: كان من الواضح لكل ذي عقل أن إسرائيل لن تقبل الإنذارات، لأن من شأنها إن قبلتها ـ وأطلقت أسيراً واحداً، خوفاً من قصف صاروخي لا ينال السكان؛ أن تبدو ضعيفة وحمقاء، وتمهد لإطلاقات أخرى كلما أضرب أسير. وهكذا بدت إسرائيل مقودةً إلى الحرب، أو منحها الجهاد الذريعة الكافية لإطلاق شرارتها.

2: تقدير إسرائيل أن العرب لن يدعموا معركة تطلقها إيران، ولو بكلمة من هنا أو هناك. ولذا فقد بدا الجهاد ـ في نظر العرب ـ غير عابئ بالعمق العربي، مفضلاً عليه دعم إيران غير المجدي، ويستحق أن تقصفه إسرائيل.

3: اسرائيل مقبلة على انتخابات ـ وإن لم يكن هذا السبب الأقوى لدخول الحرب ـ خلافا لما يحب أن يراه الاستراتيجيون الفيسبوكيون ـ إلا أنه لا بأس من مكسب جديد لحكومة ضعيفة، في الانتخابات، التي على لبيد وغانتس أن يبدوا فيها وقد حققا الأمن أكثر من نتنياهو.

3/رابعاً: الفعاليات والنتائج:

1: مصر تدخلت بناء على طلب حماس، التي كلما تواصلت الحرب، شعرت بالحرج، وخشيت من تمرد أفراد هنا أو هناك، يطلقون صاروخا هنا أو هناك، فيستدعون حربا لا تريدها حماس.

2: تدخلت مصر وضغطت على الجهاد أن يقبل بوقف النار.

3: شعر الجهاد بـ"خيانة مصر"، إذ ترى أيديولوجية الحزب، أن على مصر أن تدخل الحرب، كلما أحبَّ ذلك طرفٌ عربي هنا أو هناك.

4: أعلمت مصرُ الجهاد ـ خلال مفاوضات وقف النار ـ أنها لا تستطيع ضمان الإفراج عن أسير واحد بهذه الطريقة، ويبدو أنها أفهمت مفاوضي الجهاد مدى حمقهم الاستراتيجي، وسخرت منهم بين الكواليس في الاجتماعات السرية.

5: ما العمل ولا بد من وقف المعركة؟ ـ حدث الجهاد نفسه ـ إذن فلنقل إننا حققنا إنجازاً ما، وأن مصر قد تعهدت بالإفراج عن الأسير أو الاثنين. وبذا يمكننا القول "بطريقة عربية صميمة": إننا قد انتصرنا، أو على الأقل: حققنا إنجازا يسمح بوقف القتال.

6: وهكذا كان.

7: وبناء عليه فلا يجوز ولا يحق لأحد اتهام مصر بأنها كذبت أحداً وعودها.

8: وأخاطر بالقول: إن مصر لا تمرُّ علاقاتها مع إسرائيل بمرحلة غضب أو مراجعة. وإنما المروّجون لهذا يرغبون في إعلام مناصريهم، بصدق ما قالوه حول تعهد مصر بالإفراج عن الأسير، وأنها غاضبة الآن لهذا.

9: وهذا بحد ذاته يعتبره الجهاد محاولة ترضية منه لمصر بعد التخوينات السابقة.

10: وهذا يرينا كم نحن مستَلبون للخارج، حمقى لا نُحسن التفكير الاستراتيجي.

11: وأخيراً يمكنني القول بأن اعتراف إسرائيل بخطئها بحق أبناء مقبرة الفالوجا، يمنحها مصداقية دولية، مقابل التضحية بقليل من الدولارات. الأمر الذي يجعل العالم لا يصدق منا حرفاً، خصوصاً في موضوع "الصواريخ التائهة".

12: وهكذا يتبقى السؤال المحرج: إسرائيل تعترف بخطئها في إطلاق صواريخ تصيب السكان المدنيين،  فهل يعترف الفلسطينيون بأخطائهم، حين أصابوا السكان، علناً بذات الطريقة، ويعدوا من ثم بالتعويض الحقيقي، لا هذا الذي نسمع عنه من مبالغ مضحكة؟

اللهمَّ أبرمْ لهذه الأُمَّةِ أمرَ رشدٍ، يُعَزُّ به وليُّك، ويُذلُّ فيها عدوُّك، ويُعمَل فيه بطاعتك، ويٌنهى فيه عن معصيتك.

لا إله إلا أنت.