في فلسفة الجمال



 

1ــ الجمال والمحتوى:


لا شك أن أساس الجمال هو الشكل. لكن هذا الأساس يشبه قواعد بناء لا يمكن أن يقوم وحده، دون باقي الإنشاءات.


تبقى بعد ذلك نسبة أهمية الشكل إلى المضمون ــ أو المحتوى ــ في كل من الرجل والمرأة:


فجمال الشكل لدى الرجل هام بالفعل، لكنه لا يحتل مكان الأولوية لدى المرأة. فقد أوشك الناس على التعارف بأن ما لا يفيد في الرجل ليس جميلاً. فالرجل الصقيل الذي لا يفيد، ليس جميلاً. لابد من المضمون أولاً، عند الكلام على جمال الرجل. فالرجل جميل في الغالب إذا كان محتواه جميلاً.


أما المرأة، فعلى المقابل من ذلك؛ لا بد بأن تكون جميلة الشكل، لتعجب غالبية الرجال. ثم يأتي من بعد ذلك المضمون. ورغم أن المضمون في المرأة هام جداً، إلا أنه لا يتقدم على الشكل: إذ كثيراً ما يُعجب الرجال بالنساء الفارغات، لمجرد جمال أجسادهن. فالمرأة جميلة في الغالب إذا كان شكلها جميلاً.   


يجب العلم بأننا هنا لا نتجاوز عن الحد الأدنى: فلا بد للرجل الجميل محتواه، أن يكون غير قبيح الشكل، ليكون رائع الجمال. ولا بد للمرأة الجميل شكلها، أن لا تكون ساقطة أو بذيئة، لتكون رائعة الجمال.


2ــ الجمال واللذة:


اللذة انفعال ناتج عن إدراك الجمال، فالجمال ينتج اللذة. والجمال واللذة كلاهما ناتج الأحاسيس، لكن الجمال أكثر ديمومة. إذ يمكن تصور جمال مستمر، فيما يصعب تصور لذة طويلة الأمد. فأهمية الجمال هنا أنه يجدد اللذة.


هكذا هي حقيقة الأمر إذن: الجمال سمو. لهذا قيل عنه بأنه الوجه الحسي للخير. أما اللذة فدنوّ، لهذا قيل عنها بأنها الوجه الحسي للغريزة. وبين الخير والغريزة اختلافات عديدة، واتفاقات قليلة. والعلو والدنوّ كلاهما حاجة طبيعية للإنسان.


3ــ الجمال والذكاء:


كثيراً ما تتعذب الجميلة بجمالها، كما تتعذب الذكية بعقلها. فكلاهما تريد ما لدى الأخرى. لكن المفارقة أن الجميلة لا تغضب حين تمتدح جمالها، فيما تغضب الذكية حين تمتدح عقلها؛ على العكس من الرجل تماماً.


يبدو أن رغبة المرأة في الجمال أقوى من رغبتها في الذكاء.


4ــ الجمال والشهوة:


كثيراً ما أسيء تفسير الشهوة، ولولاها لفني الجنس البشري. لقد وضع الخالق في المرأة سر اجتذاب الرجل، فكانت أجمل المتع، لكن المتحذلقين لا يفقهون.


إذن فالشهوة شيء جميل في أصله. وإذا كان الإنسان قد استخدمها بطريقة قبيحة، فهذا ليس ذنب الشهوة، كما أن المرأة لم تكن خاطئة حين تميزت بإثارة الشهوة.


المرأة التي لا تستثير الشهوة، ليست جميلة. وكل امرأة تستثير الشهوة جميلة، حتى لو خيل إليك أنها لا تتفق مع المواصفات. فالمواصفات ما تزال عاجزة عن تفسير نوع غامض من الجمال، يعيد الرجل إلى العهد الأول، حيث كان يعيش مع حيوانات الغابة.


5ــ الجمال والحب:


إذا وافقنا أن الجمال ينتج اللذة، وأن اللذة نتاج الغريزة، وجب علينا أن نوافق على أن الحب بين الرجل والمرأة، شهوة في انتظار التحقق، أو وعد بشهوة سوف تحدث. فكل الصور والأخيلة والعبارات الجميلة، قبل تحقق الوصال، هي مقدمات له: فلو تزوج قيس من ليلى، لتوقف عن قول الشعر فيها، أو ربما لبحث عن أخرى، غير متاحة.


6ــ الجمال والطهارة:


لا نستطيع تصور الطهارة عارية عن جمال الشكل. فكل الذين رسموا السيدة العذراء توخوا أن تكون جميلة الشكل.


لا يمكن تصور تمثال للطهارة يتخذ له نموذجاً عادياً، أو غير جميل.


انظروا إلى تماثيل داود وأبللو وديانا.


7ــ الجمال والغدر:


يمكن للجمال أن يكون غادراً، بشرط أن يكون أنثوياً. ولا شك أن الغدر قبح. ولكن الجمال هنا لا ينبع من المحتوى القبيح، بل من الشكل الجميل للأنثى. تأملوا كيف رسم الفنانون الساحرة كيركي وكيف صور هوميروس حوريات أوديسيوس، بل تذكروا عشتار نفسها، الربة التي غدرت بكل عشاقها. وفي العصر الحديث لا تنسوا كبار الجاسوسات من أمثال: ماتا هاري، وغولدا مئير.


8ــ الجمال والقوة:


الجمال قوة. فقد وهب الله المرأة قوة لا تستطيع الشرائع أن تزيد عليها شيئاً ذا بال. وحين تستخدم المرأة جمالها، تقيم العالم ولا تقعده. انظر إلى هيلين الطروادية كيف دوخت أمتين، وأشعلت نيران حرب استمرت عشرة أعوام، ثم ركع منيلاوس لجمالها، وقد كان من قبل يتهددها بالعقوبة. ثم فازت آخر الأمر من اليونانيين بالألوهية الخالدة.


9ــ الجمال والجلال:


الجمال يوجد فيما هو محدود، أما الجلال فيوجد فيما هو لا محدود.


الجمال يثير فينا الشعور باللذة، أما الجلال فيثير فينا الشعور بالقداسة والرهبة.


الجمال يثير فينا الشعور بنظام الطبيعة في أفضل صوره، أما الجلال فيثير فينا الشعور باضطراب الطبيعة، وما وراء ذلك من أسرار بعيدة الغور.


الجمال يثير فينا الشعور بالحب والرقة والشجن، أما الجلال فيثير فينا الشعور بالتسامي والقوة.