مرثية الفتى الذي كان يلعب


  


ـ1ـ


إنه نائم فلا توقظوه


ترابٌ على جبينه


وخدوشٌ في وجنتيه


من ترّب وجهكَ يا حبيبي!


من ترّبَ وجهك


أيها الفتى الذي ذهب ليصطاد اليعاسيب؟


ـ2ـ


الغرفة واسعة،


والسرير خاوٍ إلا من ذكريات صغيرة


فوق السرير صورةٌ لفتىً


نبت الزغب على عارضيه


جاء الليل ولم يعد الفتى


وضعت الأم الصورة على السرير


وغطتها من البرد


قبل أن تذهب لتطمئن على الآخر


الذي هناك لا ينام


في انتظار عودة الفتى


الذي ذهب ليصطاد اليعاسيب


ـ3ـ


اضطجع جانباً


اضطجع الفتى جانباً


لأول مرة شعر الفتى بأن عليه أن يضطجع قليلاً


الفتى كان يلعب، مثلما يلعب الفتيان


لكنه الآن يشعر بالتعب


والبيت بعيد


كان الوقت مساءً


وكان البحر قريباً


وكانت عرائس البحر قادمة من هناك


والبيت بعيد


حاول الفتى النهوض مرحبا


لكنه دون أن يدري أغمض عينيه واضطجع


اضطجع الفتى حتى مساء اليوم التالي


فالبيت بعيد


اضطجع الفتى الذي ذهب ليصطاد اليعاسيب


ـ4ـ


أظنه قريباً


الملتقى يا حبيبي


أظنه قريباً


هذه النار تقول ذلك


مثل حطبة جافة هوى القلب


حين قالت لي الملائكة الطيبة


أنك صرت عني بعيداً


البئر الآن جفت يا حبيبي


والعين التي كانت لتدمع في زمن مضى


غاض ماؤها


وصارت قليبا لا يروده المسافرون


لعلها كانت كثيرة


اليعاسيب يا حبيبي


لعلها كثيرة


فأغرتك بالابتعاد عن البيت


وبقي أبوك ينتظر عودتك


الآن يا حبيبي


أنت من ينتظر عودتي إليك


في يوم


أظنه قريباً


أيها الفتى الذي ذهب ليصطاد اليعاسيب


ـ5ـ


البوط العسكري كان بيضاوياً ومنتفخاً


الحزام العريض كان مشدودا


الحلة المموهة كانت سليمة تماماً


باستثناء قليل من التراب على حافه الصدر


كانت الحلة سليمة تماماً


كأنك كنت ذاهباً إلى زيارة أحبابك يا حبيبي


ولم تتنبه في غمرة لهفتك


إلى ضرورة نفض التراب عن الحلة المموهة


باستثناء وجهك الذي كانت عليه بعض آثار اللدغات


كان كل شيء فيك كاملاً وبهياً


كأنك كنت تبتسم يا حبيبي


كأنك كنت تبتسم


هل شعرت بالدوار يلف وجهك يا صغيري


فاضطجعت قليلاً ريثما تنهض؟


اضطجعت يا حبيبي لكنك لم تنهض


وكان أبوك في انتظارك


ليلة كاملة في الظلمة يا حبيبي


ولا قمر


كنت أنت هناك


وكنت أنا هنا


دون أن أشعر بأنك أصبحت بعيداً عني


ليلة كاملة يا صغيري


ولا قمر


ولكن كل شيء كان فيك بهياً


بلا قمر


وكان وجهك يضيء الكائنات من حوله


فماذا فعلت يا صغيري لتكون جميلاً هكذا


ماذا فعلت


أيها الفتى الذي ذهب ليصطاد اليعاسيب؟


ـ6ـ


حتى وأنا أوسدك التراب


كنت تبتسم يا حبيبي


كنت تبتسم، وكان قلبي يهوي صامتاً


كلمة واحدة أوقفت الكون عن الحركة


فلم تعد تتحرك من الهواء نسمة


بكلمة واحدة ذبلت زهرة الحياة


بكلمة واحدة يا حبيبي


كان ظهري قد هوى مثل عود جاف


في تلك اللحظة فقط شعرت بمرور العمر


في لحظة واحدة يا صغيري


وسدتك التراب بيدي


كأنك لست صغيري!


كأني لم أفرح بقدومك


يوم جاءت بك أمك، على شبك الزيارة، فرخا خداجا!


كأني لم أكن أبحث لك عن عروس جميلة!


وسدتك التراب بيدي


وكان الله واقفا معي على باب القبر


قلت: يا رب أحبك، فاجعل ذلك خفيفا على قلبي


قليل من التراب وراء ظهرك


وجنتك التي طالما قبلتها


وضعتها بيدي على التراب


من التراب جئت، وإلى التراب تعود


وأنا هنا انتظر لحظة اللقاء


قريبا يا حبيبي


كيف مات القلب بكلمة واحدة


يا حبيبي


كيف مات القلب


أيها الفتى الذي ذهب ليصطاد اليعاسيب؟