سياسة ودين

 



ـ1ـ

قال لي أحدهم:


ـ أنت دائما تراهن على الحصان الخاسر.


ـ نظرت في وجهه بتمعن، فشعرت بأنه لا يستحق أن أدله على حقيقة نفسه ـ التي يظن أننا لا نراها ـ فلم أرد عليه قائلاً:


ـ وأنت دائما تراهن على الحصان الرابح.


أعرف أناسا كثيرين يا أصدقائي دائما يراهنون على الحصان الرابح. لكنني أعرف كذلك أنني لن أفعل، بإذن الله.


ـ2ـ


إلى كل المهاجرين العرب،

عندما تهاجر من دولتك الفقيرة الظالمة، بحثا عن عدالة نسبية أو مطلقة، وسعيا وراء لقمة العيش؛


وعندما توفر لك الدولة، التي هاجرت إليها، لقمة العيش والأمن من الخوف، وتنفق عليك من جيب دافع الضريبة هنا، فاعلم ما يأتي:


1ـ أنك بذلك توقع معها عهدا عليك أن تفي به، فالله لا يحب الخائنين.


2ـ أن يدها هي العليا، وأن يدك هي السفلى.


3ـ ومن كانت يده السفلى فعليه أن يكون أكثر تواضعا. وما أراه في التلفاز من مشاهد بعض المهاجرين العرب يقول غير ذلك بالمرة.


4ـ أنك سفير لدين جميل، فلا تقدمه بصورة قبيحة كما نرى.


5ـ ونتيجة ذلك أنني ألقي اللوم في شتم الغربيين محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليكم أنتم. فلو رأوا أناسا جميلين لأحبوا دينهم.


وأخيراً أقول: ليت شعري، لماذا يفضل الأكثرون منكم أن يعيشوا على الإعانة الاجتماعية، ولا يمارسون عملا حرا شريفاً؟


إن الله والناس لا يحبون المتسولين.


ـ3ـ


ذات مرة قرأت شهادة لجمال الغيطاني فيما حدث له في إحدى زياراته لفرنسا.


روى أنه شاهد خالد عبد الناصر في باريس، فسأله لم أنت هنا؟ فرد خالد:


ـ جاي للعلاج.


فقال الغيطاني:


ـ لم لم تسافر إلى أمريكا، فهناك الطب أكثر تقدما في مرضك هذا. وقد علمت أنها رحبت باستضافتك للعلاج على حساب الدولة؟


فرد خالد رحمه الله:


ـ كرامتي ما تسمحليش.


شجرة طيبة وفرع منها.


رحم الله الأحبة.


ـ4ـ


كل دعوات الخير تجد لها أعداءً، وما أكثرهم!.


ودعوات الخير فيها من الجنود، من هو حكيم، ومن هو أحمق..


سوف تحسن صنعا دعوات الخير، فيما لو تخلت عن الحمقى، لأنهم أشد ضرراً عليها من الأعداء.


والحمقى دائما متطرفون، لأنهم لا يعرفون التوسط.


تصوروا لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم، استمع لأحمق ممن نراهم اليوم، ممن يقولون إن كل الكفار سواء، لما أمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، ولما دخل مكة في جوار المطعم بن عدي الكافر؛ وربما لأمر أصحابه في الحبشة، بأن يبحثوا لهم عن قطار أنفاق يفجرونه..


ـ5ـ


الكون كله خاضع لله.


تلك حقيقة أخروية ودينية منيرة. 


لكن هناك حقيقة أخرى مظلمة، وظالمة، ودنيوية بامتياز، تقول بأننا نعرف الله، من خلال من يقترحون على أنفسهم أنهم (علماء). وهؤلاء الـ(العلماء) مجموعة من راسبي الثانوية، أو الذين اجتازوها بمعدل دون المتوسط. إذن فنحن خاضعون لراسبي الثانوية..


لهذا أنا ضد الدولة الدينية.


الرجل الذي مات في المعركة، زمن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يُعدّ شهيدا، بل كانت النار مثواه، رغم أنه قُتل في ميدان الحرب مع الكافرين؛ والسبب أنه سرق شملة (وشاحا) من مال الشعب. فليت شعري، كم قصرا، كم بيارة، كم نفقا، كم سيارة، كم زوجة... سوف تشتعل على أناس يرتعون في الغلول، ثم يقولون هذا من عند الله!


"ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون"


موعدنا القيامة يا أعداء الله..


قل انتظروا، إنا منتظرون..


موعدنا القيامة..


ـ6ـ


العقل العربي أصابه العفن، من شدة ما يعجبه كل قديم..


العقل العربي أصلا هو بناء قديم، متهالك، أدمن الماضي، وواصل الطواف بوثنه..


إن لم تصدقوا، فتأملوا كيف تغدو الكتب القديمة مقدسة، لمجرد أن أوراقها صفراء!..


ـ7ـ


التاريخ هو إرادة القوة، هو إرادة الحب والخير والحق والجمال، هو فعل البشر في الدنيا بشروط الدنيا..


الدين هو أمر الله من السماء إلى الأرض..


التاريخ مليء بالبشاعة البشرية.


الدين مليء بالنوايا الطيبة.


فلماذا يستشهد المتدينون الجدد بالتاريخ على الدين، وينسون أمر الله؟


لماذا لا يرفضون ظلم الحكام، الذين قالوا عن أنفسهم خلفاء ــ باستثناء الراشدين الخمسة ــ بل يؤيدونهم ويترحمون عليهم، مع أنه كانوا مجرد نهابين قتلة؟


أتعلمون لماذا؟


لأن في لاوعي كل منهم شبقاً للطغيان.


ـ8ـ


صباح الخير يا قدس..


صباح الخير يا مدينة منسية..


مالا يعرفه الناس، أن واحداً من أبناء صلاح الدين، أعادك إلى الصليبيين. فلا يكفي أن تكون من نسل بطل، وإنما يجب أن تكون أنت بطلاَ..


صباح الخير يا مدينة، يخونها الكثيرون، ثم يقولون هذا من عند الله.


ـ9ـ


الكلاب تنبح والقافلة تسير..


شعار لافت يستخدمه أزلام الحاكم في تبرير أفعاله. والحق إنهم على حق:


فالكلاب هي الشعب!


ولتنبح الشعوب كما تشاء، ما دام الحكام يسرقون قوتها، ويصادرون حريتها، وهي لا تملك ميليشيات تدافع بها عن نفسها..


الكلاب تنبح، فيما الحاكمون يفعلون ما يحبون!


رائع!...

وصفة ديموقراطية رائعة ومن نوع جديد..


انبح أيها الشعب كما تشاء، فقافلة النهب والمصادرة مستمرة.


ـ10ـ


إذا كنت واثقاً من موتك، فاجعله في سبيل الحق، 

فبذلك تحيا


ودع للآخرين موتهم الذليل


ـ11ـ


في زمن ياسر عرفات كنت أحب ياسر عرفات، 


وفي زمن إسماعيل هنية ما زلت أحب ياسر عرفات.


في زمن ياسر عرفات، كنت لا أخشى أن أعارض ياسر عرفات، فأعارضه علناً.


في زمن إسماعيل هنية، ما زلت أحب ياسر عرفات، وأعارض هنية علناً.


الفرق في النهاية يا أصدقائي.


ـ12ـ


عندما تبيع حريتك لأناس، يقررون عنك ما هو الجميل لك،


 فلا تحزن إن ساقوك إلى جهنم، على أمل أن يظل الفردوس متسعا لهم وحدهم فقط..


إنك أنت من فعلت بنفسك هذا يا أيها المغبون.


ـ13ـ


إن استغلال الدين، للفساد والظلم والإثراء الحرام، طعنة في الدين ذاته؛ لأنه حق: أن النظرية التي لا تحمل في طياتها عوامل إصلاحها الذاتية، معيبة من أساسها.


ألا ترون كم يطعن أهل الدين السياسي دين الله في مقتل!.


ـ14ـ


الرجل هو اهتمام المرأة الأول،


فيما هي ليست سوى واحد من اهتماماته الكثيرة،


ولعلها ليست الأول.


ـ15ـ


يقول الله: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة".


ويقول علماء السوء: قتالكم للظالم فتنة.


هذا هو السبب الأهم في تسويق التدين الكاذب على الأمة.


أرأيتم كم هم مدينون لدمائكم؟


أرأيتم كم هم مدينون لجوعكم؟


أرأيتم كم هم مدينون لتخلفكم؟


ـ16ـ


فساد الأحوال، وسطوة الخوف، ورقة الدين، كل ذلك منتشر بيننا في هذه الأيام..


يظهر أن على المحبين أن يتأكدوا من مشاعرهم، قبل أن يمنحوا حبهم. فقلبك ثمين، لا تمنحه متسرعا: تحسسه، دقق النظر في عيني الطرف الآخر، ولا تطمئن لكل ابتسامة، وصل الاستخارة، قبل أن تمنح الحب لأحد..


لقد فسد الزمان، يا صديقي..


أعتذر عن كل حب منحته لمن لا يستحق..


لك الله يا قلبي.


ـ17ـ


الإسلام إسلامان:


إسلام الرحمة والتكافل وإطعام الفقير والعدل والمساواة والشورى،


وإسلام الجبروت والفتح والقوة.

ماذا يهم الفقير من فتح عبد الملك والحجاج لبلاد السند؟


ماذا يهمهه من وجود دولة في الأندلس، لم يؤمن بها مشرك واحد، لانعدام القدوة، من خلفاء كان همهم ملذاتهم والقصور؟


لقد خرج الإسلام من الأندلس بفضل الخلفاء. ولقد دخل الإسلام أفريقيا بفضل التكافل والصدق.


أليس في هذا بيانا شافيا، بأن دين الجبروت إلى زوال؟.


فليذهب كل التاريخ الجبروتي وكل الفتوحات إلى الجحيم، مع الحجاج وعبد الملك والرشيد وأضرابهم، إذا لم يكفل حق الجائع في الخبز، وحق المريض في العلاج، وحق المظلوم في العدل..


أظنكم لا تمارون في أن دين الجبروت، لم يكفل شيئا من هذا، طوال تاريخه.